الإشكال المحوري :
إذا سلمنا بظهور الفلسفة عند اليونان، فهل الفلسفة اليونانية هي الشكل الوحيد الذي عرفته الإنسانية في تاريخها الطويل؟ أم أن هناك أشكالا فلسفية أخرى؟ أليس للحضارة الإسلامية والحضارة الغربية الحديثة والمعاصرة إنتاجات فلسفية مثلت محطات أساسية في تطور الفكر الفلسفي؟
تقديم :
لا شك أنه ليست هناك فلسفة واحدة، بل هناك فلسفات متعددة بتعدد المذاهب والمدارس والاتجاهات الفلسفية، والتي تختلف بدورها باختلاف مرجعيات وميولات ونظريات الفلاسفة. وهذا يعني أننا لا ندرس الفلسفة كما ندرس أي علم من العلوم، بل ندرس فلسفات الفلاسفة، أي أفكار ونظريات رجال عاشوا في الماضي، بمعنى أننا لا ندرس الفلسفة بل تاريخها. والواقع أن الفلسفة، وتاريخ الفلسفة جانبان مرتبطان من الصعب الفصل بينهما، إذ إن دراسة أفكار فيلسوف ما كثيرا ما تضطرنا إلى الرجوع إلى أفكار فلاسفة آخرين سبقوه أو عاصروه، بمعنى أن دراسة الفلسفة لا تعني في الحقيقة أكثر من دراسة تاريخ التفكير الفلسفي.
فما هي المحطات الأساسية في تاريخ تطور الفلسفة؟
الفلسفة اليونانية:
لحظة سقراط
(أنظر مقال " سقراط فيلسوف الحوار والتوليد"، وفيلم عن حياة سقراط وفلسفته)
الفلسفة الإسلامية:
في الغالب لم يطلع المسلمون في العهد النبوي والخلافة الراشدة وطيلة القرن الأول من الهجرة على الفلسفة، إذ تزامن تطور العلوم عند العرب والمسلمين ابتداء من القرن الثاني الهجري مع ظهور بعض الاهتمام بالفلسفات الشرقية واليونانية، والعمل على ترجمتها، مما أدى إلى تشكيل حركة فلسفية قادها عدد من المفكرين المسلمين من العرب وغير العرب.
تعرُّف المسلمين على الفلسفة جعلهم ينقسمون إلى ثلاثة اتجاهات:
1- اتجاه يؤيد تعلم الفلسفة: ومن أصحاب هذا الاتجاه نذكر الكندي والفارابي وابن رشد، وأشهرهم ابن رشد (1195هـ) الذي دافع عن ضرورة دراسة الفلسفة وتعلمها، لأن الشرع يدعو إلى النظر والتفكر في الموجودات لأنها تدل على وجود الصانع أي الله، وبما أن الفلسفة ليست شيئا أكثر من النظر في الموجودات للوصول إلى وجود الصانع، فإن الفلسفة إذن لا تُعارض الدين، بل تدعمه وتؤيده. "الحق لا يضاد الحق، بل يوافقه ويشهد له".
2- اتجاه يرفض تعلم الفلسفة: ورأى بأنها تتعارض مع الدين ولا فائدة فيها، ولو كانت خيرا لتعلمها الصحابة والتابعون. ومن أصحاب هذا الاتجاه نذكر ابن تيمية والشافعي وابن الصلاح. يقول ابن الصلاح: "من تمنطق تزندق".
3- اتجاه يتعامل مع الفلسفة بانتقائية، فأخذ منها وترك، ومن أصحاب هذا الاتجاه نذكر: "أبو حامد الغزالي"(تـــ505ه) الذي درس الفلسفة اليونانية وميز فيها بين المنطق الذي هو علم نافع لجميع الأمم، والإلهيات اليونانية المرتبطة بديانات وأساطير الإغريق التي ينبغي ردها نظرا لأنها تشوش على عقائد المسلمين.
أما الفلسفة الغربية، فقد انقسم تاريخها إلى أربعة مراحل: القديمة والوسطى والحديثة والمعاصرة. وتمتد مرحلة الفلسفة القديمة من القرن السابع عشر.ق.م إلى القرن الخامس الميلادي. وتمتد مرحلة الفلسفة الوسطى من القرن الخامس إلى القرن السابع عشر، أما الفلسفة الحديثة، فتمتد حتى القرن التاسع عشر، وأخيرا الفلسفة المعاصرة تمتد من القرن العشرين إلى العصر الحالي.
----------------------------------------------
يمكن التمييز تاريخيا بين أربع فلسفات: القديمة والوسطى والحديثة والمعاصرة
الفلسفة القديمة: كانت في معظمها يونانية، وأعظم الفلاسفة من العهد القديم كانوا ثلاثة من اليونانيين في القرن الخامس والرابع قبل الميلاد وهم سقراط وأفلاطون وأرسطو، حيث أثرت فلسفتهم في الثقافة الغربية المتأخرة.(تكليف التلاميذ بإنجاز بحوث تعريفية قصيرة بكل فيلسوف)
أما فلسفة القرون الوسطى تميزت بتداخلها مع الدين النصراني واشتباك قضاياها بقضاياه، وهكذا لم يبق للفلسفة اليونانية والرومانية من آثار سوى ما تركته من أثر على الفكر الديني، ويعد القديس أوغسطين أشهر فلاسفة العصور الوسطى. إلى جانب ذلك ظهرت الفلسفة المدرسية بين القرن 12 والقرن 15، نتيجة ترجمة أعمال أرسطو إلى اللاتينية التي هي لغة الكنيسة النصرانية آنذاك، عملت على التوفيق بين أفكار أرسطو الرئيسية والتوراة والعقيدة النصرانية، ويعد القديس توما الاكويني هو أشهر المدرسيين، حيث اجتمع في فلسفته فكر أرسطو والفكر اللاهوتي حتى أنها أصبحت هي الفلسفة الرسمية الرومانية الكاثوليكية.
أما الفلسفة الحديثة: فهي الفلسفة التي خالفت الأرسطية وأعقبت نهاية العصور الوسطى وشكلت فترة انتقالية سميت بعصر النهضة الأوربي. وقد نشأت النهضة في إيطاليا بعد إعادة اكتشاف الثقافة اليونانية والرومانية، وأيضا للتقدم الكبير في مجال الفلك والفيزياء والرياضيات، وأيضا لظهور النزعة الإنسية التي أعادت الإعتبار إلى الإنسان ومجَّدته، ويُعد فرانسيس بيكون من أوائل الفلاسفة المؤيدين للمنهج التجريبي العلمي.
لعل أشهر فلاسفة هذه المدة هو رينيه ديكارت مؤسس الفلسفة الحديثة في ق17، خاصة في كتابه الشهير "مقال في المنهج" الذي عرض فيه رؤية جديدة في التفكير نقوم على النقد ومراجعة المعارف المكتسبة، وضرورة تأسيس طريقة جديدة تقوم علىقواعد محددة لتوجيه العقل هي:
أ- قاعدة البداهة أو الوضوح : وتعني عدم قَبول الأفكار إلا ما كان منها بديهيا، واضحا ومتميزا في الذهن، لا شك فيه ولا تردد في اعتباره صحيحا. وكل ما يقبل الشك فهو ليس بديهيا.
ب- قاعدة التحليل أو التقسيم : وهي تعني تقسيم أو تجزئ المُعضلة إلى أبسط عناصرها، والنظر في كل عنصر لوحده حتى يسهل حل المسألة ككل.
جــ- قاعدة التركيب أو النظام : و هي تعني البدء بأبسط العناصر إلى أصعبها و بشكل مرتب لحل المسألة على أحسن و جه.
د- قاعدة المراجعة أو الإحصاء : و هي تعني القيام بمراجعات و إحصاءات شاملة للتأكد من عدم إغفال أي شيء.
كما أنه أولى أهمية كبرى للأنا المفكر أي الوعي بالذات، وقد تجلى ذلك في قولته الشهيرة "أنا أفكر، أنا موجود".
وإلى جانب ديكارت هناك فلاسفة آخرين (اسبينوزا، لايبنيز، جون لوك، دافيد هيوم، إيمانول كانط، هيجل، ماركس، نيتشه) كل هؤلاء الفلاسفة ساهموا في تطوير الفلسفة الحديثة القائمة على العقلانية والتجريبية والجدلية....
الفلسفة المعاصرة
ظهرت الفلسفة المعاصرة أو فلسفة القرن العشرين، مع نهاية القرن 19، وانبجست عنها العديد من المذاهب الفلسفية، منها الوضعية المنطقية والوجودية والظواهرية أو الفينومينولوجيا ومدرسة فرانكفورت، والذرائعية (البرغماتية/النفعية)، والفلسفة التحليلية والبنيوية التفكيكية وفلسفة الذهن...
وقد أثرت الوجودية فيالأفراد من حيث حفزهم على التحرر والتخلص من القيود الفكرية والإديولوجية، خاصة بعد مآسي الحرب العالمية الثانية. واعتبرت أنها لا توجد أنماط موضوعية تفرض على إرادة الفرد، ويعتبر الكاتب الفرنسي جان بول سارتر أشهر الفلاسفة الوجوديين.
أما الفلسفة الظاهرية فقد أنشأها الفيلسوف الألماني إدموند هوسرل، الذي تصور أن مهمة الظاهرية وبالتالي مهمة الفلسفة تتمثل في وصف الظاهرة، أي موضوعات التجربة الشعورية، بصفة دقيقة وبكيفية مستقلة عن كل الافتراضات المشتقة من العلم. ويعتقد هوسرل أن هذا العمل من شأنه أن يؤدي إلى إدراك الواقع إدراكا فلسفيا.
أما الفلسفة النفعية البرجماتية والتي يمثلها الأمريكان وليم جيمس وجون ديوي، فتؤكد أن المعرفة خاضعة للعمل والمصلحة، وذلك أن اشتمال الأفكار على المعاني والحقائق متعلق بمدى ارتباطها بالتطبيق.
أما الفلسفة الوضعية المنطقية نشأت في ﭬيينا بالنمسا في العشرينات من القرن العشرين فتقول: إن الفلسفة ينبغي أن تحلل منطق لغة العلم، وهي تعتبر العلم المصدر الوحيد للمعرفة وتدعي بأن ما وراء الطبيعة لا فائدة منه، اعتمادا على مبدأ إمكانية التحقق، أي أن القول لا يكون له معنى إلا إذا ثبت بالتجربة الحسية أنه مطابق للحقيقة، ويعد البريطاني ألفرد جون أير من أكبر فلاسفة المذهب الوضعي المنطقي.
أما الفلسفة البنيوية التفكيكية فقد حاولت أن توجد الحلول للمشكلات الفلسفية عن طريق تحليل مفردات اللغة ومفاهيمها كما حاولت بعض اتجاهات هذه الفلسفة أن تبرهن على أن بعض المشكلات الفلسفية التقليدية تنحل تلقائيا بمجرد تحليل العبارات التي صيغت بها. ومن أشهر الفلاسفة الذين مارسوا التفكيك والتحليل الفلسفي هناك برتراند راسل، ولود فيتجنشتاين...
د. أحمد الفراك
د. أحمد الفراك