"ان العروق عليها
ينبت الشجر "فالتربية والتعليم هي مرآة المجتمع هي مقياس التقدم أو
التخلف؛ بحيث لا يمكن الحديث عن التنمية في ظل الأمية. وعليه يمكن
القول: إن التربية التي تقوم على العنف والتعسف والقهر والتسلط ومصادرة الحرية هي
أقصر الطرق لتحطيم الفرد وتدمير المجتمع. ونظرا لما تشهده المنظومة التعليمية في
بلداننا العربية من تردي وتراجع مهول حسب العديد من التقارير والدراسات، فقد وقع
اختيارنا على هذا الكتاب للقراءة وتقديمه للقراء والكتاب والمربين وكل المهتمين.
وهذه القراءة المتواضعة لا تغني عن قراءة الكتاب الذي هو الأصل.
وتكمن
أهمية الكتاب في كونه يدعوا إلى إصلاح نظام التربية والتكوين من الداخل مبرزا
المرض الخطير التي تعاني منه المنظومة التربوية في الوطن العربي. إذ لا تنشئة بمعناها
العلمي الصحيح إلافي ظل تعليم قوي بمواصفات عالمية.
تأطير عام للكتاب:
وقفة مع الكاتب:
·
د يزيد عيسى السور طي؛ مهتم بالتربية ،اشتغل في العديد من الهيآت له
العديد من الأبحاث في هذا الصدد.
·
حاول في هذا الكتاب أن يقف مع السلطوية كمرض يعاني منه الجسم التربوي
العربي المثخن بالجراح.
·
قسم مؤلفه هذا الى 7 فصول؛ وخاتمة.
·
المراجع المعتمدة باللغتين: العربية (440 ) و الإنجليزية (46).
·
اشكالية الانطلاق؛ ما هي مظاهر السلطوية في التربية العرية؟ وما
أسبابها ونتائجها؟
تحليل المؤشرات:
المؤشر 1: مظاهر السلطوية في العملية التعليمية ـ
التعليمية:
- أـ السلطوية في طرق التدريس:
طرق
التدريس هي أساليب نقل
المعرفة والخبرة ومضامين المناهج إلى المتعلمين.. ومن ابرز علامات
السلطوية في هذا الجانب؛ التلقين. انه اكثر الطرق التي تهدم شخصية
الطالب فهو يضعف قدرته العقلية بل انسانيته وتكاد تلفي كيانه لأنه كثيرا ما يمارس
من خلال علاقة تسلطية.
ان ارقى درجات التفكير عند الانسان تتكون وتنمو
من خلال التلاقح الفكري الذي تحققه المناقشة والمناظرة في اطار من الانفتاح
والتسامح والحرية .
- ب ـ السلطوية في المناهج الدراسية
المناهج هي الحياة المدرسية كلها، ومن أهم مظاهر السلطوية فيها ما يلي:
·
اقتباسها من الخارج ثم فرضها بطريقة تعسفية على الطلاب.
·
تركيزها على المعرفة بدل الطالب.
·
سلطة المقرر من كتاب وغيره.
·
عدم المشاركة في بناء المنهج من مدرسين وطلاب ..
·
خلاصة؛ ان المناهج يجب ان تكون وسيلة لخدمة الفرد والمجتمع لا غاية
يطوع في سبيلها الطلاب.
- ج ـ السلطوية في التقويم التربوي
التقويم التربوي
هو اصدار حكم على مدى
تحقيق الطلاب أو الجهاز التعليمي الأهداف التربوية.
ان
شمولية التقويم وتعدد أهدافه يتطلبان ضرورة بنائه على وسائل وأدوات متنوعة لكنه
يكون في معظم المدارس العربية والجامعات من خلال وسيلة واحدة تقليدية وهي
الامتحان.
مخاطر التقويم عن
طريق الامتحان فقط:
·
التأثير على الحالة النفسية للطلاب
·
ارهاق المدرسين وأولياء الأمور
·
بروز النزعة الفردية والمنافسة السلبية
خلاصة
القول؛ إن تعليمنا بشكل عام، لا ينبني كثيرا على البحث والتنقيب والاكتشاف،
بل يعتمد غالبا على الاستقبال الذي يقوم على الخضوع والتنفيذ الآلي.
المؤشر 2: مظاهر السلطوية في الجانب الاداري للتربية:
أ ـ السلطوية في الاشراف التربوي:
الاشراف
التربوي: هو عملية
تعاونية تهدف الى تحسين التعلم وتحقيق الأهداف التربوية.
بينت
العديد من الدراسات الميدانية ان الاشراف التربوي في الدول العربية يستبعد أي
اعتبار لقيمة المدرس ونموه الشخصي ومشاعره، يتحول فيه المدرس الى تلميذ والمشرف
مدرسا تقليدياَ سلطوياَ يلقن ويعاقب من يشاء بطريقة عشوائية .
كثيرا ما
يمارس الاشراف التربوي في عديد من المدارس العربية كعملية سلطوية مزاجية تفتيشية
تهدف الى تخويف المد رس وإحراجه وإظهار نقط ضعفه، فكل منهما لا يثق في الآخر.
ب- السلطوية في الادارة التربوية
الادارة
التربوية هي: مجموعة من
العمليات والإجراءات والمسائل المصممة وفق تنظيم معين...هدفها الرئيسي هو الارتقاء
بالتعليم والتعلم. هذا يعني اعطاء العنصر البشري مكانته، إلا أنه وفي أغلبية الوطن
العربي تتميز الادارة التربوية بالسلطوية المتمثلة في المركزية الادارية المتطرفة
التي تجعل من الهيئات المدرسية أدوات لتنفيذ تعليمات وأوامر الجهاز المركزي وهيمنة
البيروقراطية وضعف الكفاءات الادارية وغياب القيادة التعليمة. أين تتجلى السلطوية
في الادارة التربوية؟
1- ضعف الكفاءات الادارية وغياب القيادة التعليمية.
2- المركزية الادارية.
3- هيمنة البيروقراطية .
أما
النتائج التي تؤدي اليها فهي كالآتي:
1-
جعل المدرس اقل قبولا لمهنته.
2-
منتوج طلابي متذمر، نكوصي، مقهور مغترب.
ج - السلطوية في الادارة الصفية:
ان نجاح العملية التربوية ينطلق اساسا من الانجاز في الغرفة الصفية
وهذا لا يتأتى الا من خلال امتلاك المدرسين لثلاث مهارات أساسية وهي:
التخطيط الادارة التدريس
الاتجاهات الرئيسية في إدارة الصف:
1 الاتجاه الوقائي:
-
توفير تعليم فعال يوفر بيئة مادية ونفسية ملائمة للتعليم
-
اقامة علاقة ايجابية داخل الغرفة الصفية من خلال تفاعل المدرس مع طلابه
والطلاب مع بعضهم والمدرسين وبعضهم وكذا اولياء أمورهم.
2 الاتجاه العلاجي التسلطي:
-
تحقيق النظام في الصف من خلال
فرض الصمت ومنع المشاركة وتقييد فرص الطلاب في طرح الأسئلة.
-
اعطاء اولوية كبرى لسن القوانين الرادعة القهرية.
وقد تساءل
الكاتب عن واقع الادارة الصفية في الوطن العربي فأشار الى ما يلي:
-
ضعف ادارة الصف الوقائية
-
شيوع ادارة الصف السلطوية
العلاجية، مما يؤدي الى النتائج التالية:
•قلة احترام الطلاب للمدرس
وخروجهم عن النظام
•كثرة الغياب والغش في الامتحانات
• زيادة تمرد الطلاب على سلطة المدرسة
د - السلطوية في العلاقة بين المعلم والطلاب:
إن
العلاقة بينهما في كثير من المدارس العربية غالبا ما تقوم على التسلط والاجبار من
جانب المدرس، والخوف والاذعان والاستسلام من جانب الطلاب، حتى اصبحت مهمة كثير من
المدرسين انتاج طلاب مدجنين غير قادرين على النقد والاعتراض والمناقشة ومذعنين
لمختلف أشكال التعسف والقهر، فالعديد من الدراسات تشير إلى أن المدرس في الوطن
العربي يميل الى التشدد ويجنح نحو السلطوية في تعامله مع طلابه.
من الأوليات الأساسية لكثير من المدرسين العرب بشكل
عام السيطرة على الفصل وضبط النظام، فالمناقشة والتفاعل والإيجابية قد يعني في نظر
الكثير من المدرسين، الفوضى والتسيب واضاعة الوقت ولذلك لابد من تنمية فضيلة
السكوت المطبق.
المؤشر 3: مظاهر السلطوية في مشكلة الحرية الأكاديمية:
مفهوم
الحرية الاكاديمية: تعني غياب
القيود والاكراه والاجبار والقهر عن نشاطات البحث والدراسة والتدريس في الجامعات
ومراكز البحث.
• عناصر الحرية الاكاديمية:
- أ- حرية أعضاء هيأة التدريس، وتتجلى في:
- الحق
في توجيه النقد للبرامج التعليمية والتنظيمية
- الحق
في رسم مناهج في البحث والتدريس
- الحق
في التفكير المستقل والعمل سعيا وراء الحقيقة
- ب- الاستقلال الاداري
والمالي للجامعة
- ج- حرية الطلاب، وتتجلى في :
- الحرية
في تكوين استنتاجاتهم والتعبير عن آرائهم
- الحرية
في اختيار التخصصات والمشاركة في تقرير ما يدرسونه
واقع الحرية الأكاديمية في
الجامعات العربية:
-
غموض هذا المفهوم .
-
ضعف حرية الأستاذ الجامعي في البحث العلمي والتدريس.
-
التسلط الاداري الجامعي.
-
ضعف الاستقلال المالي والإداري للجامعة.
-
ضعف الحرية الأكاديمية
للطلاب.
-
اسباب كل هذا ترجع الى:
أسباب تاريخية وسياسية واجتماعية
المؤشر 4 : السلطوية وشيوع الأمية والتمييز التربوي:
بالتعليم يتشكل
عقل الانسان وفكره ووعيه السياسي والاجتماعي ومن ثم فان حرمان الانسان من حقه في
التعليم يعد أحد مظاهر السلطوية في التربية العربية .
• اما
السلطوية المتمثلة في التمييز التربوي فتتجلى بشكل واضح في التمييز الطبقي والجنسي
والجغرافي، ومن نتائج هذا الوضع :
-
اعادة انتاج التمييز في
المجتمع.
-
زيادة التسرب والرسوب.
-
تهديد الأمن الاجتماعي
والتربوي.
المؤشر 5: السلطوية المتمثلة في التسليع التربوي:
ظاهرة التسليع؛ تعمل على تحويل التربية من رسالة سامية الى سلعة تجارية وتؤدي الى
تشييء التربية بعد تشييء الانسان نفسه، ومن ثم يصبح الهدف الأسمى للتربية هو تحقيق
الربح ويتم تسويقها والترويج لها كأي سلعة بأساليب شتى مشروعة وصادقة أحيانا،
وينتابها الكذب والتزوير في أوقت اخرى.
• ومن
مظاهر هذا الوضع:
-
الدروس والمدارس والجامعات الخصوصية.
-
المناهج الدراسية السكونية أو المستوردة المحولة الى مذكرات بهدف
الربح.
-
استراد الباحثين من الغرب والاسراع في البحوث جريا وراء الربح
-
التقويم عن طريق
الامتحانات فقط.
خلاصة
القول؛ إن الثقافة المشبعة
بالاتجاه السلعي كثيرا ما تتميز تربيتها بالطابع السلعي.
المؤشر6: اللفظية والماضوية في التربية العربية:
اللفظية هي غلبة الألفاظ على المعاني. واللفظية تحول التربية العربية من أفعال
تنبض بالحياة إلى أقوال جامدة ومن سلوكات علمية الى
تنظير منفصل عن الواقع ومن تركيز على الجوهر الى اهتمام
بالشكل ومن روح تسري في المجتمع الى
مجرد ظاهرة صوتية .
ومن
مظاهر هذا الوضع:
-
اللفظية في الأهداف التربوية؛ فهي في الغالب بيانات
سياسية ذات توقعات تربوية.
-
اللفظية في
محتوى المناهج الدراسية.
-
اللفظية في طرق التدريس وفي البحث التربوي.
أما الماضوية فهي سجن وحبس
النظم التعليمية في زنازين الماضي وحرمانها من العيش في الحاضر واستشراف المستقبل
مما يجعل التربية اسيرة الماضي.
ومن مظاهر هذا الوضع:
- الماضوية في
التقويم التربوي والأهداف التربوية وفي المناهج الدراسية وطرق التدريس وفي الادارة
التربوية.
نخلص مع الكاتب الى نتيجة مفادها؛ ان
أغلب تعليمنا في العالم العربي لفظي قهري، فثمة كلام كثير ونظريات اكثر، وعمل قليل
وانتاج اقل، فالاستعاضة بالقول عن العمل خاصية ثقافية عربية رئيسية معاصرة.
المؤشر7: نتائج السلطوية في التربية العربية:
ومن أبرز
نتائج السلطوية في التربية العربية توصل الكاتب الى الآتي:
-
إعادة انتاج التسلط .
-
إضعاف النظام التعليمي.
-
تسهيل التغريب الثقافي والتربوي. والاغتراب هو حالة
ذهنية يشعر فيها الشخص بأنه معزول عن مجتمعه، أو هو شعور الفرد بالانفصال النسبي
عن ذاته أو مجتمعه أوكليهما. ومن مظاهره:
- العزلة الاجتماعية
- العجز
- غياب المعنى والمعايير
- الغربة عن الذات
- فقدان الهوية
• خلاصة
القول: إن السلطوية التربوية والتعليمية، تنتج جيلا ضعيفا ومحبطا لا يقوى
على مواجهة المشكلات والتحديات التي يواجهها فضلا عن عدم قدرته على تحقيق
المعجزات.
كلمة أخيرة :
إن
السلطوية مرض تنتشر أعراضه في كثير من أوصال الجسم التربوي العربي، ولهذا المرض
ضحيتان رئيسيان هما: الفرد والمجتمع.
ولوضع
حد لهذا الوباء الخطير يقترح الباحث مجموعة من التوصيات أهمها:
-
اقامة العلاقة داخل الأسرة وغيرها من مؤسسات التنشئة الاجتماعية على
أساس من التفاهم والتحاور والاحترام المتبادل، بعيدا عن القهر والاذعان والعنف
والتركيز على أساليب الثواب والمكافأة والتشجيع...
-
اشاعة الأمن والحرية في
جنبات المجتمع ومؤسساته.
-
تحقيق الاصلاح السياسي عن
طريق المشاركة الاجتماعية الموسعة.
-
العمل على تطوير النظم التعليمية العربية بأهدافها وبنياتها
وأساليبها.
ومن أهم
النقاط التي يجب التركيز عليها في هذا المجال ما يلي:
أ-
التخلي عن اعتبار المنهج الدراسي مجرد كتب مدرسية والنظر اليه على انه
اطار شامل للمعارف والخبرات والمهارات.
ب-
تنويع طرق التدريس بدل من الاعتماد على طريقة واحدة هي
التلقين.
ت-
تنويع وسائل التقويم بدلا من تبني وسيلة واحدة هي الامتحان.
ث-
اقامة علاقة تفاعلية بين الطلاب ومدرسيهم اساسها التفاهم والاحترام
والسعي الى تحقيق أهداف مشتركة.
ج-
تحويل الاشراف التربوي من مفهومه التفتيشي السلطوي الجامد الى مفهوم متطور
يقوم على التعاون والتنظيم من أجل تطوير العملية التعليمية التعلمية .
ح-
التقليل من هيمنة المركزية الادارية في التربية والتعليم .
خ-
تبني المفهوم الشامل للإدارة الصفية الذي يقوم على الوقاية من جهة
والعلاج الذي ينبني على القواعد السليمة لتعديل السلوك من جهة اخرى.
د-
ضمان تطبيق الحرية الأكاديمية في الجامعات العربية.
ذ-
مقاومة التعامل مع التعليم بوصفه سلعة وابقاؤه خدمة تقدمها الدولة
العربية لمواطنيها.
ر-
تحرير التربية العربية من أغلال الماضوية وربطها بالحاضر والمستقبل
وتخليصها من الصبغة اللفظية المسيطرة عليها.
ز-
العمل بجد على نشر التعليم ومحاربة الأمية.
نخلص إلى
القول: إن الدكتور يزيد
عيسى قد وضع يده على الجرح المندمل، وعليه يمكن أن نستنتج بأن واقع التعليم في أي
بلد يعكس نوعية الانسان والمؤسسات وطرق التفكير والطموحات...ولن يتغير الوضع ما لم
تتغير هندسة التربية والتعليم، لأن أفق أي مجتمع مرهون بجودة تعليمه.