في رحاب العلوم الانسانية  في رحاب العلوم الانسانية
recent

آخر المقالات

recent
random
جاري التحميل ...

الأمير المثالي في عصرنا (متفرقات)

 النسخة العربية من كتاب الأمير كيف يُحكم العرب بيُسر

الأمير المثالي في عصرنا (متفرقات)

خليل سعيد

 فليعذرنا ماكيافيلي إن إنتهكنا حقوق ملكيته لأميره المثالي وحاولنا أن نصوغ بإختصار نسخة عربية منبثقة من واقعنا وتجاربنا، لتكون عونا إضافيا لأي أمير ينشد المثالية في وقتنا الحالي، وسندا له في بناء حكم قوي يلازمه حتى يضعه في يد خلفه.أوّل الإختلاف مع ميكيافيلي هو أن الأمير ليس بالضرورة ذو نسب يحمل شرعية معيّنة للحكم، بل يمكنه بلوغ حكمه بأيّ صيغة أخرى تفرض وجوده في المقدمّة، سواء كانت إنقلابا عسكريا أو وراثة عن أب أو حتّى إنتخابات صورية تدخل في إطار تحسيس الشعوب أنّها تختار قيادتها.

الأمير المثالي في عصرنا لا يحتاج أن يقلّد سلوك العظماء من معاصريه أو سابقيهم، لأنّه وبكلّ بساطة يمكنه أن يملك ضمائر كلّ نخب محكُومِيه، وسيتفانون في وصف عظمته دون أن يحتاج لأيّ مجهُود إضافي، بل إنّ قرارته كلّها ستقدّم كدلالات حكمة منقطعة النّظِير، وستجدُ دوما حتى في تعارضِها، تفاسيرَ إيجابيةً يتكلّف هُم بصياغتها ويدمن العامّة تثمِينَها و التَّجنُّد  وراءها خدمة للوطن.
الأمير المثالي في عصرنا على عكس مايراهماكيافيلي لا يحتاج تملّك القدرة على قيادة الحروب، فيمكنه أن يكون قائدا عظيما مهما قاد بلاده نحو الهزائم المتتالية وفي مختلف أنواع المعارك، بل ويمكنه أن يقود أمّة نحو نكسة في أيام وتخرج الملايين للشارع إستعطافا له أن يظلّ زعيما في منصبه، ويمكن أن يموت زعيما وتستمر أجيال كثيرة تعيش على ذكراه حلما تنتظر عودة مهديّه في يوم ما.
الأمير المثالي في عصرنا صديقي ماكيافيلي لا يحتاج أن يدرك أن إستعمال القوة والعنف قد يكون أحيانا أساسيا للحفاظ على الإستقرار والسلطة، لأنه وبكل بساطة مؤمن أن القوّة هي وحدها أساس سلطته، بل ويدرك أنّ العنف يجب أن لا يغيب عن مجتمعه حتّى يبنى الخوف في النّفوس فلا تجد وقتا للتشكيك في عظمته أو التفكير في مطالب تافهة بإسم الحقّ أو التّشارك في الحكم، بل لا يتوانى هو نفسه في خلق ما يهدِّدُ الإستقرار حتى تجد القوّة المفرطة ذريعة أمام أنظار العالم بأسره، وإن حدث ونقص منسوب الخوف يوما في النفوس فيجب أن يكون على إستعداد تام لإبادة ثلثي شعبه حتى يتسنى له حكم الثلث المتبقي في ظروف أحسن تضمن ثبات الإستقرار كما يتصوّره.
الأمير المثالي لا يحتاج القدرة على إِلتماس المشورة من أحد، بل يحتاج أن يستمع فقط لصوت نفسه ونزواته في الحكم، فقط ينبغي عليه ألّا يغضب حكّام روما اليوم، أن يفتح أراضيه لهم ويضعها تحت تصرفهم، وأن يكون حارس مصالحهم الأمين في مناطق نفوذه، بما في ذلك حمايتهم من وقاحات مَحكُومِيه إن حصل وتجرّأت كرامة أحدهم على توجيه النقد لغطرستهم.
الأمير العربي المثالي المعاصرعزيزي مكيافيلي لا يحتاج كما تقول أن يكون متصنّعا أو كتوما، بل يمكنه أن يحكم بطباع دنيئة هي ما يفرض هيبته، وأن يقول ما شاء ومتى شاء فهذا عصر خطابات زنقة زنقة وأنا فهمتكم  عند الأحياء قبل الأموات.
أمير اليوم لا يحتاج أيضا السيطرة الكاملة على القَدر، بل فقط على الجزء المتعلّق بشره، أمّا خير القدر فلا يجب أن يطال الرّعيّة يوما لأن مطامحها تزيد، والإيمان بأن شبع البطون يولّد مطالب سياسية يجب أن يكون حاضرا في صياغة أيّ سياسة حكامة.
أما القدرة على أن يكون وفق تعبيرك الأسد والثعلب والقنطور، فهو اليوم بالقطع لا يحتاج ذلك، لأن الزّمن علّم المواطنين القدرة على أن يكونوا فئران، لا تأكل غير الفتات و تلزم جحورها في حضور القطط فحسب.
إعتماد الدّين في السياسة كما نصحت هو في مكانه كضرورة لقيادة الشعوب، مع فرق بسيط أن الأمير المثالي اليوم يمكنه أن يصنع نسخته الخاصّة من دين يفرضه على رعيّته، فهو في النهاية من يضع مفهوم الحلال والحرام حتى وإن  تعارض مع الدّين الأصلي ذاته فبإمكانه إيجاد صيغ تضفي المشروعية للتغيير من قبيل الانفتاح والمعاصرة مثلا.
بكلّ بساطة صديقي مكيافيلي ومع الإحترام الواجب لقيمة منتجك الإنسانية، فواقعنا تفوّق عليك بمسافة بعيدة،وأظنّك بصدق حرمت العيش معنا لتدرك بالملموس أنّ نصائحك اليوم مجرّد تفاهة أمام روعة الأمراء المثاليين التي تجعلهم قبل كلّ شيء يحافظون على حكم دول دون أن يكون بناء وجودها همهميوما.

                                              khalil.said.ad@gmail.com


عن الكاتب

في رحاب العلوم الانسانية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

في رحاب العلوم الانسانية