في رحاب العلوم الانسانية  في رحاب العلوم الانسانية
recent

آخر المقالات

recent
random
جاري التحميل ...

لا بـــــد للقيـــــد أن ينكســـــر

ذ. سعيد السلماني 
لا زلت أذكر يوم الاثنين 21_02_2011 ، كان يوما دموياً في ليبيا. قصف بالطائرات والرشاشات وتجنيد عصابات وبلطجة من طرف الزعيم وأعوانه...، والسؤال المطروح هو: ما الذي يجعل هؤلاء الحكام يتشبثون بالسلطة بشكل جنوني حتى آخر رمق؟
يمكن أن نسجل في البداية بأن السلطة نعمة ونقمة في نفس الآن، فهي نعمة عندما تكون شرعية، ونقمة عندما تغتصب اغتصابا، فالحاكم الشرعي هو من تكون الديمقراطية شعارا وسلوكا في تصرفاته وانعكاسا له على ارض الواقع. وعندما نتلفظ بالديمقراطية في هذا الصدد فإننا نقصد الجانب الايجابي منها، المتمثل في الحرية والمساواة والإخاء والعدل، وليس الجانب الذي به تتم مخادعة الشعوب. فالديمقراطية الحقيقية غير موجودة في العالم العربي، فالأمر لا يعدو تشدّقا بها ورفعها شعارا عاليا مزركشا، وهذا ما كذبته الشعوب العربية عندما خرجت على بكرة أبيها تطالب بإرجاع المعنى للديمقراطية، فالشعوب لا تخرج للشوارع اعتباطا، أو حبا في التظاهر، وإنما هناك حقوق أهدرت وكرامة انتهكت وحرية قمعت وعدل كاذب ومزيف.
 إن الشعوب العربية والاسلامية ليست مغفلة أو لا تعرف قضاياها بل تنتظر الفرصة السانحة لتجهر بكلمة لا لا.. في وجه الطغاة، وقد أحسن الوصف أحد الباحثين الفرنسيين في كتابه "المغرب المجهول"[1]، حينما عبّر عن هذه الحقيقة بقوله: "كل مسلم يولد وفيه شيء من الدبلوماسية، فالمسلم يشكل لغزا، وسيكون أكثر رجالنا السياسيين دهاء مجرد تلميذ أمامه، وهو من طبيعة مرنة، وذكية، متمرسة على الجدال، تلتف ببراعة على الصعوبات، منفعلة لكنها تحسن الانتظار". إن هذه المقولة تؤكد لنا بشكل واضح، صبر هذه الشعوب وتحملها لأنظمتها التي مارست وتمارس كل المراوغات والحيل من اجل السيطرة عليها وعلى خيراتها بالتفقير والتجهيل والتدجين...الخ، غير أن كل هذا لن ولم ينفعها في شيء، فالشعوب لها وسائلها الخاصة في التثقيف واستيعاب الدروس، فقد أعطت للحكام فرصا عديدة من أجل استدراك الأخطاء، لكنهم اعتقدوا بأنهم استحكموا على البلاد والعباد، وفرحوا بما أوتوا، لكن هيهات، فإن الثورة لا زالت مشتعلة في القلوب والعقول، في يوم ما ستأخذهم بغتة وهم لا يشعرون.
 إن الشعب إذا أراد الحياة واستجاب لنداء الحرية والعدالة، سيثور لا محالة، وهو ما حصل في تونس وليبيا ومصر وغيرها من البلاد العربية...الخ، فجأة أخذتهم الصاعقة وهم ينظرون، بل تفاجئوا بدواجنهم تصرخ في وجوههم بعدما أحكموا تدجينها، ونسوا أن النسور كانت تحرضهم خلسة وتعلمهم معنى الارادة والحرية وتكسير حاجز الخوف من النظم المتسلطة لأنها أخوف من الخوف نفسه.
إذا الشعــب يومــا أراد الحيــاة                فلا بـــد أن يستـــجــيب القــدر
ولا بـــد لليــــل أن ينـــــجلـــي               ولا بـــــد للقيـــــد أن ينكســـــر
إن مصمم هذه الأبيات الشعرية مهندس عبقري ونسر خفي لو كان على قيد الحياة لأعدمه الحكام ألف مرة، فقد أدرك هذا النسر أن الشعوب في ظل القهر لم يبق لها سوى الإرادة، التي لا يمكن قهرها أو قبرها. فالإرادة هي كل شيء في التغيير، وعندما تكون جماعية، يصبح التغيير اشمل وأنفع، وهذا ما حدث في تونس ولواحقها.
إن هذه الثورات أبانت عن هشاشة السلطة التي كان يملكها ذلكم الحكام، فهم لم يستمدوا شرعيتهم بطرق شفافة وواضحة، إنهم التفوا حولها وفعلوا ما فعلوا وهم يعلمون، وبالتالي إعطاء الشرعية عن طريق التزوير والخداع وتكديس ثروة الشعوب..، فهم الكرماء والشرفاء والسادة مادامت السلطة بأيديهم وزوالها يعني الذل والهوان. وعليه، فلا كرامة ولا شرعية ستبقى عندما تنتزع منهم السلطة انتزاعا. إن هذا فيما أعتقد؛ هو سر التشبث بالسلطة حتى استنفاذ آخر ورقة يمكن توظيفها.




[1] أوجست مولييراس، إثنوغرافي فرنسي مؤلف كتاب "المغرب المجهول" بجزأيه: الأوّل: حول اكتشاف الريف،  والثاني: حول اكتشاف جبالة، والقارئ لهذا الكتاب يدرك أنّ جهوده العلمية والإثنوغرافية لا تختلف كثيرًا عن جهود المستشرقين الأوروبيين، الذين انخرطوا في الحملة الإمبريالية والصليبية الجديدة ضد العالم الإسلامي، فهو يصرح بأنّ عمله يهدف إلى اكتشاف المغرب المجهول بالنسبة إلى الأوروبيين، وتمهيد الطريق لاستعماره من قبل فرنسا التي لها كامل الحقّ في ذلك.

عن الكاتب

في رحاب العلوم الانسانية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

في رحاب العلوم الانسانية