في رحاب العلوم الانسانية  في رحاب العلوم الانسانية
recent

آخر المقالات

recent
random
جاري التحميل ...

مفهوم العنف/مجزوءة السياسة

مفهوم العنف/مجزوءة السياسة

مفهوم العنف/مجزوءة السياسة

تمهيد:

إن مفهوم العنف ينتمي إلى عائلة من المفاهيم المثيرة للرعب من قبيل: الحرب والموت والجريمة والإرهاب والاغتيال والاغتصاب والاحتراق والرشّ والشنق والقمع والهيمنة والسطو والطغيان والظلم والفقر..الخ. وتتراوح درجات العنف بين: عنف مخفّف؛ كالعنف اللفظي الشتم والتجريح والعنف الرّمزي التكفير والتخوين والتأثيم والعنف الاجتماعي كالفقر والتجويع والتهميش.. وعنف مكثّف؛ كالحروب والاغتصابات والقمع والظلم وكل أشكال القتل...الخ.

إن خطورة العنف واضحة، وليس هناك كائن إنساني لا يعي هذه الخطورة، والغريب في الأمر، أنه في الوقت الذي كان جديراً بالعلم أن يسير في اتجاه خدمة الإنسان، ها نحن اليوم نراه يسخّر من أجل تطوير وسائل وأدوات ممارسة العنف.

ومن من المفارقات التي يمكن تسجيلها في هذا التمهيد؛ رغم أن الإنسان لا يريد العنف، لكنه يمارسه، كما أنه ينظر إلى البعض من أشكاله باعتباره شيئاً مشروعاً وعادلا تستدعيه ضرورات الحياة المتعددة، لكنه يبقى في منظار الآخرين سلوكاً حيوانياً لا تدعو أية ضرورة إليه. هذا ما يدفعنا الى طرح الأسئلة الآتية:

هل الإنسان في حاجة إلى العنف؟ ألا يعي الإنسان خطورة العنف نفسياً واجتماعياً؟ وهل من مسوغ للإقدام على العنف؟ في ظل التطور العلمي المهول هل ازداد العنف أم قلت حدته؟

المحور الأول: أشكال العنف

اشكال المحور:

إن العنف واقعة أساسية في تاريخ المجتمعات البشرية، وهو يعتمد على تقنيات ووسائل مختلفة، كما يتخذ أشكالا متعددة. من هنا يمكن صياغة إشكال هذا المحور من خلال التساؤلات الآتية: ما طبيعة العنف؟ وما هي مظاهره وأشكاله؟ وهل ينحصر العنف في مظاهره المثيرة كالحروب أم أنه قد يوجد على نحو خفي وكامن؟ 

1-العنف المادي وأشكاله:

تصور إيف ميشو:




يميز "إيف ميشو" بين نوعين من أشكال العنف :أشكال ظاهرة و أكثر ضراوة، ويقدم نموذجا لها (الإعدامات و الحروب) .وأشكال خفية، ويعطي مثالا عنها (نقص التغذية) الذي تشهده الفئات والشعوب الأشد فقرا.

يمتاز القرن العشرين حسب ميشو بأشكال مختلفة من العنف المادي ويذكر منها: الحروب والإبادات والاضطهاد ومعسكرات الاعتقال والإجرام وغير ذلك. ويتطور بتطور الوسائل التكنولوجية، وأصبح خاضعا للإعلام الذي يعمل على توجيهه وتوظيفه.

 2- طبيعة العنف الرمزي ووسائله:

تصور بيير بورديو



أشار «بورديو» إلى أن العنف الرمزي يمارس تأثيره بشكل قوي في شتى مناحي الحياة، كما أنه فعال ويحقق نتائج أكثر من تلك التي يمكن أن يحققها العنف المادي أو البوليسي. وهو وسيلة فعالة في يد السلطة السياسية، فهي تستغل بذكاء التقنيات والآليات التي يمرر من خلالها العنف الرمزي، والتي تسهل عليها تحقيق أهدافها بتكلفة أقل وبفعالية أكثر.

إن العنف الغير مادي وغير المرئي والصامت أكثر خطورة وتأثيرا على الأفراد والمجتمع، وهو يمارس بالاتفاق والتواطؤ وبالتالي فهو سلسلة من الإكراهات التي تمارس عبر قنوات عدة..

خلاصة المحور:

يتبين أن العنف يتخذ شكلين رئيسيين:  الأول هو العنف المادي الذي حدثنا «إيف ميشو» عن مظاهره المختلفة.  والثاني هو العنف الرمزي الذي أوضح «بورديو» بعض وسائله ومدى فعاليته في تثبيت دعائم الدولة والسلطة السياسية.

من هذا المنطلق يبدو أنه من المستحيل الحديث عن مجتمعات إنسانية خالية من العنف. ومن ثم فإن العنف واقعة أساسية في تاريخ المجتمعات البشرية. إذن، ما الذي يفسر ظاهرة العنف في التاريخ؟

المحور الثاني: العنف في التاريخ

اشكال المحور:

ما الذي يفسر ظاهرة العنف في التاريخ؟ أو بتعبير آخر؛ كيف يتولد العنف في التاريخ البشري؟ وما الذي دفع الإنسان لممارسته؟

موقف ماركس: "الصراع الطبقي كمولد لظاهرة العنف في التاريخ"




        موقف فرويد: "الطبيعة العدوانية للإنسان هي التي تولد العنف في التاريخ".


خلاصة المحور :

إن القول بفطرية العنف وامتداده عبر كل فترات التاريخ الإنساني دون استثناء، يجعله مستساغا ومبررا، وهنا تكمن خطورة هذا القول، لذلك يقول «Robert Ardre» إن أسطورة الناس "كحيوانات مفترسة شرسة " هي واحدة من المسوغات القصوى عند الرجل الغربي حيث توضح أصول العدوانية الإنسانية وتتحاشى المسؤولية عنها باعتبارها "فطرية". ومن ثم أصبح شن الحرب على الآخرين مبررا ما دام يدخل عندهم ضمن التركيب البيولوجي للبشر .

كما انتقدت "باربرا ويتمر" القول بفطرية العنف حيث تقول: "يبدو أن الإيمان بفطرية العنف عند البشر يشير إلى انهيار الفرق الفاصل بين الغضب وسلوك العنف، مما أدى إلى المساواة بينهما بحيث عد الغضب عنفا والعنف أداة تعبيره الطبيعية ".

المحور الثالث: العنف و المشروعية

إشكال المحور:

هل من مبررات معقولة تجعل ممارسة عنف ما مشروعا؟ وهل يمكن الإقرار بمشروعية العنف من زاوية الحق والقانون والعدالة؟

لمعالجة هذا الإشكال يمكن نستحضر بعض المواقف الفلسفية الآتية:

تصورات الفلاسفة: ماكس فيبر - إريك فايل - غاندي:

إن العنف هو خاصية الدولة وميزتها الأساسية، ففي نظره ان الدولة سواء كانت تقليدية أو حديثة، ديمقراطية أو استبدادية لا يمكنها أن تستغني عن العنف، فلكي تمارس الدولة وظائفها واختصاصاتها فإنها تلجأ بالإضافة على الوسائل القانونية إلى العنف المادي الذي تحتكره. ولهذا فالدولة هي المخولة باستعماله وبتفويض من يستعمله.

أما إريك فايل E. Weil فإنه لا يعترف بشرعية العنف كيف ما كان شكله، لأنه نقيض الفلسفة. ولكي تستطيع الفلسفة مقاومته يجب أن تجسد اللاعنف وتستعمل هذا المفهوم بقوة. هكذا تظل الإشكالية المتجذرة في الفلسفة هي أن تسعى إلى محاربة نقيضها. فمحاربة العنف إذن هو المنطلق والنهاية، ومن ثم لا مناص أن نختار إما العنف وإما الخطاب.

وفي سياق البحث عن بديل للعنف، يتبنى غاندي موقف اللاعنف باعتباره يمثل ذلك الحب أو الإرادة الطيبة تجاه كل الناس. ولذلك فهو يرفض السلوك العنيف لأن وراءه نية من أجل إلحاق الأذى والألم بالآخر، كما أنه تعبير عن نشيد الحقد الذي تعبت الإنسانية من عواقبه الوخيمة.

prf selmani said

عن الكاتب

في رحاب العلوم الانسانية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

في رحاب العلوم الانسانية