في رحاب العلوم الانسانية  في رحاب العلوم الانسانية
recent

آخر المقالات

recent
random
جاري التحميل ...

المحور الثالث: الشخص بين الضرورة والحرية

 المحور الثالث: الشخص بين الضرورة والحرية

المحور الثالث: الشخص بين الضرورة والحرية

المحور الثالث: الشخص بين الضرورة([1]) والحرية([2])

اشكال المحور: لا شك أن الشخص يخضع في وجوده لشتى أنواع الحتميات، ويتعرض في علاقاته الاجتماعية إلى نوع من الاستلاب والتشييء بسبب الضرورة التي يفرضها المجتمع على أفراده. فهل يؤدي هذا الاستسلام إلى القول؛ بأنه لا مكانة للحرية في حياة الشخص؟

معالجة الاشكال:

إذا كان "فرويد" يؤكد بأن الحياة النفسية للشخص تتحكم فيها حتمية بيولوجية - نفسية لاشعورية، فإن هناك تصورات سوسيوثقافية تؤكد بدورها على وجود حتمية اجتماعية ثقافية تتحكم لا شعورياً في حياة الشخص.

وفي نفس السياق يؤكد "سبينوزا" على أن القول بالحرية يخفي جهلا بالأسباب، فالإنسان - من حيث هو أحد الكائنات الطبيعية - واقع ضمن نظام الطبيعة في خضوعه للضرورة، فأن يكون الشخص حرا يعني أن يمتثل للضرورة التي تفرضها عليه طبيعته؛ أي حريته الطبيعية. "فالناس يخطئون حين يظنون أنفسهم أحرارا، وسبب اعتقادهم ووهمهم، هو شعورهم بأفعالهم الخاصة وجهلهم بالأسباب المتحكمة فيها".

في مقابل تلك التصورات يؤكد "عزيز لحبابي" بأن قيمة وحرية الشخص تتجلى في قدرته على تجاوز مختلف الضرورات أو الحتميات التي تقيده، وأن الانسان في تحرره من وضعه الكائن إلى الشخص يصبح انسانا. فحرية الشخص مشروطة بوضعه الواقعي ولكن هذا الوضع لا يعني الخضوع للضرورة.

وعلى خلاف هذه التصورات ترى الفلسفة الوجودية أن الانسان هو الكائن الوحيد الذي يسبق وجوده ماهيته: فهو يوجد أولا وينبثق في هذا العالم، ثم بعد ذلك يفكر فيما سكون عليه، أي يتحدد بشكل ذاتي. فوجوده سابق على ماهيته. والانسان من هذا المنظور ليس شيئا آخر غير ما هو صانع بنفسه. "فليس هناك حتمية، الانسان حر... الانسان محكوم عليه أن يكون حرا". وبهذا المعنى فهو مشروع وجود يحيا ذاتيا، ودائم التجاوز لوضعيته الأصلية بواسطة ممارساته الفكرية والعقلية..، فرغم خضوع الانسان لضرورات متنوعة فإنه يستطيع بما يملك من قرارات ومبادرات أن يتعالى على وضعه. أي "يتجاوز دائما الوضعية التي يوجد فيها، ويحددها بالتعالي عليها"، وهذا يفترض أن الانسان مسؤول عما هو عليه مسؤولية تامة.

 نسجل إذن اختلاف التصورات الفلسفية ونحن بصدد الحديث عن الشخص بين الضرورة والحرية، فليس هناك أي تناقض حينما نؤكد على خضوع الانسان للضرورة من جهة، والقول بحريته واستقلاله عن الشروط الموضوعية من جهة أخرى، إذ يمكن التركيب بين الضرورة والحرية، باستحضار مفاهيم جدلية. أي الحرية التي تعي وضع العبودية والتشييئية من أجل التجاوز والانفلات من القيود والاكراهات..، إذ رغم اندماج الشخص في الجماعة، فان هذا الاندماج لا ينبغي أن يؤدي الى محو ما يميزه، فهو بذلك يحفظ حريته التي هي في نهاية المطاف حرية الجميع.

prf selmani said



[1] الضرورة هي الحتمية وتعني؛ مبدأ مفاده أن الظواهر مشروطة بأسباب ضرورية وثابتة.

[2]  حرية Liberté: استقلالية الذات فكرا وتصرفاً، وعدم خضوعها لأية اكراهات خارجية. أو هي الاقتناع الداخلي بفعل فعل أو الإمساك عنه. والمقصود هنا حرية الاختيار، أي قدرة الذات على الحسم، عندما للاختيار بين إمكانيتين أو أكثر.

عن الكاتب

في رحاب العلوم الانسانية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

في رحاب العلوم الانسانية