المحور الثاني: معايير الحقيقة
المحور الثاني: معايير الحقيقة
اشكال المحور: إذا حصرنا
اهتمامنا في المجال العلمي والفلسفي وتساءلنا على ماذا تتأسس الحقيقة؟ وما
معيارها؟
معالجة
الاشكال:
يمكن القول
تقليدياً بأن الحقيقة تحدد في معناها الفلسفي المنطقي في تطابق الفكر(العقل) مع
نفسه من جهة، ومع الواقع من جهة أخرى.
في مجال اتفاق
العقل مع نفسه - وهو المجال المنطقي الرياضي – تكون الحقائق صورية، ومعيارها هو
مبدأ عدم التناقض؛ أي التماسك المنطقي. وفي مجال اتفاق العقل مع الواقع - وهو
المجال التجريبي – فتكون الحقائق مادية/تجريبية، ومعيارها هو التحقق التجريبي.
إن المعيارين
معاً حسب ليبنتز Leibniz ينبغي النظر إليهما على أنهما متكاملين في بناء المعرفة العلمية، وهذا المعيار
المزدوج هو محك الفصل بين ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي. وبناء على ذلك يتم
التمييز بين صنفين من الحقائق:
-أولا، حقائق
عقلية صورية قائمة على عدم تناقض القضايا بحيث لا يتطلب التحقق من صدقها
إلا مراعاة تماسكها المنطقي الداخلي. وفي هذا السياق يرد تصور رونيه ديكارت
الذي يذهب إلى القول بأن إدراك الحقيقة يتم بواسطة الحدس[1] أولا،
والاستنباط[2] ثانياً.
وبذلك فمعيار الحقيقة يتحدد أولا في البداهة المرتبطة بالحدس؛ إذ أن كل فكرة
بديهية هي فكرة حقيقية تدرك بواسطة الحدس العقلي الخالص، كما يتحدد هذا المعيار
ثانياً بواسطة التماسك المنطقي وفق قواعد التحليل والتركيب والمراجعة المرتبطة
بالاستنباط العقلي.
-ثانياً، حقائق
تجريبية يتطلب التحقق من صدقها مراعاة الواقع التجريبي؛ أي مدى مطابقتها لهذا
الواقع. وفي هذا الصدد يأتي تصور جون لوك الذي يرفض معيار البداهة الذي قال
به الفلاسفة العقلانيون، على اعتبار أنه لا وجود لأفكار أولية وفطرية في العقل، بل
إن العقل صفحة بيضاء، والتجربة هي التي تمدنا بالمعارف والأفكار. وبناء عليه، فإن
التجربة هي المعيار الأساسي والوحيد للحقيقة، فالحواس تمدنا بالأفكار البسيطة
كالشكل والحركة، ثم يعمل العقل على التأليف بينها لإنتاج الأفكار المركبة. فالحواس
هي التي تمنح الصدق لأفكارنا، وإذا تعذر إرجاع فكرة ما إلى أصلها الحسي التجريبي،
فهي فكرة وهمية وخاطئة. فمعيار الحقيقة إذن هو مطابقتها للواقع الحسي التجريبي.
وفي العصر
الحديث ظهرت نظرة جديدة للحقيقة مفادها الفائدة والمصلحة، فما هو حقيقي هو
المفيد للحياة وهذا تصور براغماتي للحقيقة يعارض نظرية التوافق والتطابق. ويعتبر
هذا النقد من أقوى النقود التي وجهت إلى الحقيقة فقد نزع عن الحقيقة طابعها
الأخلاقي، وأصبحت الحقيقة تتعايش مع أضدادها كالخطأ والوهم والقابلية للتكذيب...وهذا
ما فتح الباب أمام تصورات أخرى سعت إلى ربط الحقيقة بإرادة القوة، أو بإرادة
المعرفة والسلطة، أو ربط الحقيقة بأضدادها، مما سيدفع إلى بروز مواقف جديدة تتعلق
بقيمة الحقيقة.
prf Selmani Said
التالي: