المحور الأول: الرأي والحقيقة
المفهوم الثاني: الحقيقة:
إذا كانت الحقيقة تبدو غاية كل مجهود معرفي، فإن كل شخص يعتقد أنه يعرف آراءه ويعتبرها حقائق يقينية، كما أن بين العقل والتجربة مسافة تعبر عن إشكالية معيار الحقيقة. وإذا كانت الحقيقة قد اعتبرت عبر تاريخ الفلسفة قيمة عليا فهناك اختلاف بين الفلاسفة في تحديد طبيعة هذه القيمة. فما الذي نقصده بالحقيقي وغير الحقيقي؟ وما علاقة الحقيقة بالرأي؟ ولماذا نرغب في الحقيقة؟ وهل الحقيقة معطاة لنا أم يتم بناؤها؟ وما المعايير التي بواسطتها نستطيع التمييز بين الحقيقي واللاحقيقي؟ ثم ما قيمة الحقيقة؟
المحور الأول: الرأي والحقيقة
إشكال المحور: هل الحقيقة معطاة في آرائنا أم يتم بناؤها منهجيا ضد الرأي والاعتقاد؟
معالجة الإشكال:
الرأي: انطباع شخصي يعكس التجربة العامية والمشتركة بين الناس، وليس ناتجاً عن تفكير أو تأمل عقلي، مما يجعله عائقاً يحول دون تكوين معرفة حقيقية. والرأي أنواع: كالأحكام النمطية؛ وهي أحكام جماعية جاهزة ومتداولة، متعلقة بأنفسنا أو بغيرنا. والأحكام المسبقة وهي أحكام شخصية متوارثة، بالإضافة إلى الأحكام التي تصنعها وسائل الاعلام أو آراء الرأي العام.
الرأي إذن، اعتقاد أو تصديق بوقائع أو بأفكار لا تصل إلى المستوى الذي يؤسسه الفكر، من هنا كان ظناً خاطئاً كما يقول أفلاطون، كما أكد الفارابي على التعارض بين بادئ الرأي والمعرفة البرهانية. وقد دعا ديكارت بدوره إلى ضرورة مراجعة وفحص الآراء السابقة والشائعة من أجل إعادة تأسيس المعرفة على ركائز أكثر صلابة ويقيناً، وذلك وفق منهج علمي عقلي.
أما إيمانويل كانط فإن الرأي عنده مجرد اعتقاد غير كاف ذاتياً وموضوعياً. فهو ليس إلا وهماً أو انطباعاً أو خيالا لا يرتبط بأية معرفة عقلية مؤسسة على اليقين، ولذلك لا يمكن خلق آراء في مجال الرياضيات التي تتطلب نوعاً من الحسم واليقين، كما لا يمكن تأسيس آراء في مجال الأخلاق التي يتطلب تأسيسها على الواجب.
وفي مجال المعرفة العلمية فقد اعتبر غاستون باشلار الرأي عائقاً أمام المعرفة العلمية، وعلى العالم أن يحدث قطيعة ابستمولوجية بين الرأي والحقيقة العلمية. فالرأي دائما على خطأ لأنه غير قابل للتبرير العلمي..، أما الفكر العلمي فلا يتناول سوى القضايا التي يستطيع البرهنة عليها، كما أنه لا يطرح سوى الأسئلة التي يمكنه الإجابة عنها، وهذا ما يجعل الحقيقة العلمية مؤسسة على قواعد العقل العلمي، ولهذا يجب تخطي الرأي والعمل على هدمه حتى لا يشكل عائقا أمام بلوغ المعرفة العلمية الصحيحة.
لكن، الرأي ليس على درجة واحدة حسب بعض الفلاسفة، فالرأي له دور مهم في مجال تاريخ الأفكار وفي تطور المعرفة البشرية حسب ليبنتز. وفي هذا يقول: "إن الرأي القائم على الاحتمال قد يستحق اسم معرفة، وإلا سوف يتم إسقاط كل معرفة تاريخية وغيرها من المعارف". وهو نفس الطرح الذي يقول به فتجنشتين، حيث يرى بأن هناك اعتقادات نؤمن بها دون أن نبرهن عليها عن طريق الاستدلالات العقلية أو التجارب العلمية، بل هي حقائق ترسخت لدينا كمعارف متضمنة في اللغة التي نتعلمها خصوصا ونحن صغار.
prf Selmani Said
التالي: