المفهوم الأول: النظرية والتجربة
تقديم:
يطرح هذا المفهوم إشكالية فلسفية مهمة وشائكة سايرت مسيرة الفلسفة التاريخية، وهي علاقة النظرية بالتجربة، أو علاقة الفكر بالواقع، أو علاقة الوعي بالموضوع، أو علاقة الذات بالعالم الخارجي، أو علاقة العقلانية التأملية بالعقلانية التجريبية.
إن نقطة انطلاق أي علم تكمن في إرادة الانسان توظيف عقله وقدراته من أجل فهم الطبيعة ومراقبتها. ويترتب عن هذا القصد طرح بعض الأسئلة الآتية: كيف تتمكن الذات العارفة من الحصول على الموضوع المعروف؟ وكيف يتحول الواقع المادي، وهو ذو بنية ونظام وتماسك، إلى أن يصبح موضوع بحث ودراسة؟ وهل ما يحصل عليه الدارس من مفاهيم وقوانين ونظريات هو انعكاس حقيقي لهذا الواقع، أم انه نتيجة البنيات المنطقية والرياضية التي يمتلكها العقل؟
إنها الأسئلة التي فرّعت الفلسفة إلى اتجاهين فلسفيين متعارضين: الفلسفة المثالية التي جعلت من العقل محور كل معرفة وإدراك..، والفلسفة المادية التي أرجعت جميع المعارف إلى الواقع والتجربة. إنهما اتجاهان متقابلان، يستحيل الجمع بينهما، لأنهما يعبران – حق تعبير – عن الفلسفة الواحدية، فالعقلانيون لا ينظرون الى العلم ونظرياته إلا اعتمادا على العقل، والتجريبيون جعلوا جذور العلم وأصله تجربة.
إذا كان هذا هو سأن المذهب الواحدي، فإن المنطق الجدلي نظر إلى المسألة بمنظار آخر فهو لا ينظر إلى الأشياء بنفس الهوية: ف -أ-
وبناء عليه، يمكن القول: إن هناك حواراً مستمراً بين النظرية والتجربة، فلا وجود لنظرية عقلية خالصة، كما لا وجود لتجربة علمية مستقلة. فالنظرية والتجربة تشكلان معاً النظرية العلمية التجريبية.
prf Selmani Said