في رحاب العلوم الانسانية  في رحاب العلوم الانسانية
recent

آخر المقالات

recent
random
جاري التحميل ...

المحور الثاني: معرفة الغير

 المحور الثاني: معرفة الغير

المحور الثاني: معرفة الغير

المحور الثاني: معرفة([1]) الغير

اشكال المحور: هل الغير قابل للمعرفة؟ المعرفة بصفة عامة هي الممارسة التي تدرك من خلالها وبواسطتها الذات العاقلة موضوعا مجردا كان أو ملموسا، وموضوع المعرفة يتقابل في جميع الأحوال مع الذات، خاصة حينما يكون شيئاً مادياً مستقلا عن الذات. فإذا كانت معرفة الغير لذاته تمر عبر الغير، فهل يعني هذا أن معرفة الغير ممكنة؟

معالجة الاشكال:

إن الغير باعتباره وجودا في ذاته(موضوع) ومن أجل ذاته(ذات) يتطلب مني القيام بعملية متناقضة من أجل إدراكه، إذ ينبغي أن أميزه عني؛ أي أن أضعه في عالم الأشياء وفي نفس الوقت أن أفكر فيه ولا يمكن أن يعاد إلي إلا بكونه أنَـا على حد تعبير ميرلوبنتي.

يمكن أن نميز في هذا الإطار بين تصورين متعارضين:

تصور منغلق؛ يعتقد أنه من الصعب وربما من المستحيل معرفة الغير، على اعتبار أن عالم الأنا الداخلي منغلق تماما ولا يمكن لأي أنا آخر ولوجه لأنه عالم يعيش تجربته الوجودية الخاصة والمنعزلة حسب غاستون بيرجي. وفي نفس السياق يرى ج. ب. سارتر بأن معرفة الغير متعذرة، لأن المعرفة هي انفتاح الأنا على الأشياء والعالم بمختلف مكوناته، لكن الغير ليس شيئاً ولا موضوعاً بل هو وعي وأفكار وعواطف وحرية وإرادة. وهذه الخصائص تجعل معرفته مستحيلة ومتعذرة، وحتى عندما تحاول الأنا معرفته فهي تحوّله إلى موضوع وتشيئه، ومعرفة الأشياء ليست كمعرفة الذات.

تصور منفتح؛ يعتقد أن الأنا حاملا لفكرة الغير في ذاته، ويعتبره مجالا لمعرفة واضحة لأن الانسان مدفوع غريزياً نحو الارتباط مع الغير والدخول معه في علاقات وجدانية تعاطفية. في هذا السياق يرى ماكس شيلر أن معرفتنا بالآخرين تتحقق من خلال معرفة الطابع الكلي العام، فالوحدة التعبيرية العامة للنظرة هي التي تعرفني هل الشخص مسرور أم مكتئب، منشرح أم منكسر.

 فمعرفة الغير إذن، تتم من خلال الإدراك الكلي الذي يجمع بين إدراك المظاهر الجسمية الخارجية وإدراك الحالات النفسية والفكرية الداخلية. هكذا فمعرفة الغير لا تتم من خلال تقسيمه إلى ظاهر وباطن، إلى جسم وروح؛ بحيث أن الأول يدرك خارجيا، والثانية تدرك داخليا، إن معرفة بهذا الشكل غير ممكنة لأن الغير كل لا يقبل القسمة، ومعرفته لا تتم إلا بوصفه كذلك.

وهكذا يرى ميرلوبنتي أننا حينما نعامل الغير معاملة لا إنسانية، وننظر إليه كموضوع، فإن ذلك يؤدي حتما إلى الحيلولة دون علاقة المودة والعطف بيننا وبينه، مما يؤدي إلى تعليق التواصل معه دون أن يؤدي إلى إعدامه. وهذا دليل في نظر ميرلوبنتي على إمكانية التواصل مع الغير ومعرفته. وتعتبر اللغة وسيلة أساسية لتحقيق هذا التواصل عن طريق إرغام الغير على الخروج من صمته والابتعاد عن حالة العطالة والانغلاق الكلي على الذات.

        نسجل إذن اختلاف التصورات الفلسفية ونحن بصدد الحديث عن معرفة الغير، فإذا كانت اللغة في نظر "غ. بيرجي" لا تعبر عن حقيقة المعاش الذاتي، فإنها في نظر "ميرلوبونتي" كفيلة بمد جسور التواصل، ذلك لأن الكلام المتبادل ينسج أرضية مشتركة بين الذوات المتحاورة، وبذلك لن يبقى الغير مجرد موضوع في حقل إدراك الذات المتعالية. فالحوار ينسج حقلا مشتركا بين الذوات المتحاورة. وهذا ما يسمح بانبثاق ما يسميه "هوسرل" الوجود البين-ذاتي المشترك. إنه عالم ينكشف فيه الغير تدريجياً لتأسيس علاقة ممكنة.

prf Selmani Said

[1]  معرفة Connaissance: هي مجموع العمليات الذهنية التي بواسطتها يدرك العقل موضوعا ما، بهدف فهمه وتفسيره.

عن الكاتب

في رحاب العلوم الانسانية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

في رحاب العلوم الانسانية