في رحاب العلوم الانسانية  في رحاب العلوم الانسانية
random
جاري التحميل ...

قراءة في كتاب: الشخصانية الإسلامية

محمد عزيز الحبابي، الشخصانية الإسلامية، مكتبة الدراسات الفلسفية، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1964. الكتاب من الحجم المتوسط، 153 صفحة.
الشخصانية الإسلامية

التعريف بالكاتب:
محمد عزيز الحبابي هو فيلسوف وروائي وشاعر مغربي، ولد الحبابي في الـ 25 من دجنبر 1922 بفاس. كان والده تاجرا فيما كان جده يدرّس علم التفسير بجامع القرويين، أُلحق لحبابي بالكتّاب ليحفظ القرآن، ثم لاحقا انتقل إلى مدرسة ابتدائية، وبعدها إلى ثانوية مولاي ادريس بفاس. انخرط من خلال حزب الشورى والاستقلال في النضال من أجل تحرير بلاده واستقلالها. حبس أكثر من مرة، ومنعه المستعمر من إتمام دراسته عام 1944.
كان شغوفا بالمعرفة، بخاصة الفلسفة، نشر عام 1945 كتابا، بعنوان “مفكرو الإسلام” وعمره 22عاما. بعد مضايقة المستعمرين الفرنسيين، رحل لحبابي إلى فرنسا عام 1946، لمتابعة دراسته هناك. نال إجازة في الفلسفة من جامعة كان، وأخرى مماثلة من السوربون. ثم حصل على دبلوم المدرسة الوطنية للغات الحية بباريس، ودبلوم الدراسات العليا في الفلسفة من السوربون.
تَوج الحبابي مساره الأكاديمي في فرنسا بالحصول على دكتوراه من السوربون بميزة مشرف جدا. أطروحة سينشرها باللغة الفرنسية، عام 1954، في كتاب يحمل عنوان “من الكائن إلى الشخص… دراسات في الشخصانية الواقعية”. اشتغل باحثا في المعهد الوطني للبحث العلمي في باريس؛ ثم عام 1959، عاد إلى بلاده المغرب، ليشتغل أستاذا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، التي سيعين بعد عامين من ذلك، عميدا لها.
أسهم الحبابي عام 1961 في تأسيس اتحاد كتاب المغرب، الذي انتخب رئيسا له في المؤتمر الأول. ثم لاحقا أشرف على الجمعية الفلسفية المغربية، كما اشتغل مديرا لمجلتي “تكامل المعرفة” ودراسات أدبية وفلسفية.
انتمى الحبابي إلى مجموعة من الهيئات المعرفية، منها أكاديمية المملكة المغربية، المجمع اللغوي بالقاهرة، جمعية رجال الآداب بفرنسا، الأكاديمية المتوسطية بإيطاليا، والفيديرالية الدولية للفلسفة.
توفي محمد عزيز لحبابي في الـ 23 من غشت 1993 بالرباط، كأحد أبرز المفكرين في تاريخه الحديث.
مؤلفات الحبابي:
للحبابي مجموعة من الأعمال نذكر منها: كتاب من الكائن إلى الشخص: دراسات في “الشخصانية الواقعية” 1962، “الشخصانية الإسلامية” 1964، “من الحريات إلى التحرر” 1956، “تأملات في اللغو واللغة 1980“… ولم يقتصر على التأليف الفلسفي والمعرفي، إنما نقرأ له أيضا في الشعر “بؤس وضياء” 1962” ويتيم تحت الصفر” 1988، وفي الرواية “جيل الظمأ” 1967،” إكسير الحياة” 1974، وفي القصة القصيرة “العض على الحديد”1969.
كتب لحبابي باللغتين، العربية والفرنسية، وترجمت أعماله إلى لغات عديدة… نظير أعماله الكاملة، ترشح محمد عزيز لحبابي لجائزة نوبل للآداب، كأول مغربي وعربي، عام 1987، ووصل يومها إلى اللائحة القصيرة فيما فاز بالجائزة الشاعر الروسي جوزيف برودسكي.
التعريف بالكتاب:
ألف الحبابي كتاب" الشخصانية الإسلامية "سنة 1964وهو يمثل إحدى الانفتاحات الفكرية المميزة التي اقترحها محمد عزيز الـحبابي على الفكر العربي الإسلامي، والذي لا يزال يكتسي راهنية تستحق الاهتمام والبحث. وهي كذلك من بين المفاهيم الأساسية التي ميزت الفكر الفلسفي عند الحبابي.
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام:
 القسم الأول: المعطيات الأولية ويضمن فصلين:
 الفصل الأول: مفهوم الشخصانية ويحتوي على أربعة محاور هي:
- المحور الأول يشتمل على: الاستقلال الذاتي للشخص، ومن المدلول إلى الكلمة، ومفاهيم تتمحور حول *شخص*، وذاتية أم شخصانية، والشخص كائن يحيا ويعرف أنه يحيا
- المحور الثاني: الوعي وفيه: الأنا والآخر، توتر التوازن، جسم لا جسد، حضور قريب ومتعال
- المحور الثالث: تفتح الأنا وفيه دينامية ثرية أو كوجيطو معكوس
- المحور الرابع: الشعور الفعال وفيه المسؤولية والشمولية
 الفصل الثاني: المعطيات النشوئية وفيه ثلاثة محاور:
- المحور الأول: الجانب الأونطولوجي
- المحور الثاني: الجانب الأخلاقي وفيه الفرد والدولة
- المحور الثالث: البيئة الأخلاقية المجتمعية
 القسم الثاني: تحفظات وتساؤلات ويحتوي على ثلاثة فصول:
 الفصل الأول: التعالي، ويشتمل على أربعة محاور:
- المحور الأول: هل للزمان وجود؟
- المحور الثاني: الوحي
- الوحي الثالث: فكرة الإلحاد
- المحور الرابع: موقف الشخص إزاء قدرة الله المطلقة
 الفصل الثاني: وضع المرأة، وفيه خمسة محاور:
- المحور الأول: تعدد الزوجات
- المحور الثاني: المساواة بين الرجل والمرأة
- المحور الثالث: الرجال قوامون على النساء
- المحور الرابع: بين الأموسية والأبيسية
- المحور الخامس: المسلمة والحياة الجنسية
 الفصل الثالث: الرق والذمة في الإسلام، وفيه محورين:
- المحور الأول: الاسترقاق
- المحور الثاني: الذمة
 القسم الثالث: أين نحن اليوم ويحتوي على ثلاثة فصول:
 الفصل الأول: المنزلة بين المنازل ويشمل محورين:
- المحور الأول: انسلاخ الثقافة الإسلامية عن تشخصنها
- المحور الثاني: السلفية الإسلامية والنهضة الغربية
• بين التقديس والتجاوز
• أسباب تعثر السلفية
 الفصل الثاني: المسيرة الروحية ومشكل الشر
- المحور الأول: رؤية العالم لدى المسلم
- المحور الثاني: دين الأمل
 الفصل الثالث: نافذة على المستقبل وفيه جدول الأعلام
إشكالية الكتاب
يعالج هذا الكتاب إشكالية: هل الفلسفة الشخصانية تناقض مبادئ العقيدة الإسلامية؟
فما هي الفلسفة الشخصانية؟ وكيف تَمثل محمد عزيز الحبابي النظرية الشخصانية؟ وكيف قارب النظرية الشخصانية من منظور إسلامي؟
جواب الحبابي على هذا السؤال يظهر من خلال تأصيله لمفهوم الشخص في الإسلام وتحديد أحوله ووضعيته، اعتمادا على الاستنباط من المصادر الإسلامية الأساسية: القرآن والسنة. رغم أنه يضيف بأن تاريخ الفكر الإسلامي جد واسع، وهو أقرب للنزعة الإنسانية L’humanisme منه للشخصانية Personnalisme. مضيفا بأننا سنتناول بالدرس الإسلام قبل احتكاكه بالثقافات اليونانية والفارسية والهندية (وقبل تفاعله مع الثقافة الإسرائيلية والمسيحية) مما سيجعلنا نبرز العناصر المكونة لشخصانية إسلامية أصيلة.
في القسم الأول من الكتاب استهل الحبابي حديثه بمفهوم الشخصانية انطلاقا من الوقوف على أصل كلمة شخص في التراث الإسلامي مشيرا في البداية إلى أن العربي بمجيء الإسلام أصبح يحيا حياة إسلامية حقيقية عندما وعى ذاته كشعور متجسم في عالم أفضل طبقا لسنن الله "وأن هذه أمتكم أمة واحدة " المؤمنون ،23 الآية: 53. فإذا كان خالق الكائنات البشرية إله واحد، فهي لذلك أشخاص متساوية فيما بينها وليس الفرق بين الأشخاص فرقا نوعيا كما عند أرسطو، بل فرق كيفي فحسب. فهناك المؤمنين وغير المؤمنين. والرسالة الإلهية تعترف لكل واحد بقيمة نوعية بصفته شخصا في ذاته.
ثم عرف الاستقلال الذاتي للشخص بأنه الشيء الخاص بكل شخص. ومعناه أن لا وجود لنموذج إنساني أو لقالب يفرغ فيه جميع الأشخاص ليكونوا على نمط واحد، إذ لكل شخص وجهته وتطلعاته الخاصة. (ولكل وجهة هو موليها، فاستبقوا الخيرات) البقرة:2، الآية: 147. وفي الحديث (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) البخاري، حديث صحيح.
وقال إن الشخصانية تبتدئ عندما يرفض الشخص الطاعة العمياء (طاعة الأشخاص وطاعة الأشياء) ويعترف بالقيمة العليا للعقل والفكر دون السماح لبعض العقول أن تستبد بالأخرى أو الخضوع الأعمى الذي يفرضه مذهب من المذاهب ولو كان دينيا (لا إكراه في الدين) البقرة2 ، الآية: 256. ولهذا لا تقبل في الإسلام وساطة بين البشر وربهم (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) البقرة:2، الآية:186
ويضيف الحبابي أن كل شخص يعد نسخة من صنع الله ولكنها نسخة فريدة، بعيدة عن الذهنية التي سادت في العصر الجاهلي والتي لا تتصور الكائن لبشري إلا داخل مجموعة شريعتها العصبية القبلية. (لا فرق بين عربي ولا عجمي) كما جاء في " خطبة الوداع "
حاول الحبابي البحث على بعض الألفاظ لعلاقتها بمفهوم " شخص ": كلمة فرد: تقابل كلمة جمع، سواء دلت على الأشياء أو على الكائنات. فكلمة شخص تدل على القناع مثل اللاتينية PERSONA أو المظهر الخارجي للإنسان أو على شبحه الظاهر أي ظله. بيد أنه مع الإسلام أصبح الفرد لا يسمى شخصا إلا إذا انضمت إلى فرديته أبعاد مثل: العرض: وهو الجانب المعنوي الذي يكون كرامتنا الشخصية. الحسب: وهو القيمة والاستحقاق سواء كان مكتسبا أو موروثا. النسب: وهو الأصل والانتساب.
لذا في دراسة " الشخصية الإسلامية " يلزم أن نراعي جانبين أساسيين: جانبا جسمانيا خارجا ظاهرا، وجانبا باطنيا معنويا ونفسانيا.
وقد تبنى الإسلام محتوى كلمة " شخص " وزاده قوة وعمقا، حيث أدخله في نطاق الفقه، وتجرد من الأساطير وتخلى عن أثقال المعتقدات الطوطمية، وأصبح موضوعا للأحكام الشرعية بصفته كائنا مسئولا عن فعاليته.
وقد تطورت كلمة شخص، مثل Persona (باللاتينية) من الكلمة الأثروسيكية (فيرسوphersu ( إلى الصيغة الفرنسية ( Personne ) في معناها الحالي. في البداية أطلقت كلمة Persona على القناع ثم صارت تدل منذ عهد شيشرون على " الدور " الذي يلعبه الإنسان المقنع في التمثيلية، قبل أن يخضع هذا المفهوم لتغيرات جديدة منذ فجر المسيحية.
غير أن الأوثروسكيين والإغريق من بعدهم لم يكن لهم اتجاها ونوايا شخصانية من كلمة (فيرسو phersu) لأنهم كانوا يقدمون القرابين البشرية لآلهتهم، وكذلك الحال عند الرومان الذين ساد في مجتمعهم الاسترقاق والعنصرية إلى أبعد حد.
أما الفرق الوحيد الذي يمكن اعتباره في الإسلام هو التمييز بين المؤمن وغير المؤمن، على أن كليهما يعد شخصا يساوي جميع الناس من حيث الكرامة الإنسانية وقداستها، وجميع الناس من جوهر واحد " كلكم من آدم، وآدم من تراب ".
ويلاحظ الحبابي أن العرب لم يعرفوا لا لفظة " شخص " ولا دلالاته المعاصرة التي ظهرت مع مفكرين مسلمين مثل إخوان الصفاء وابن سينا الذين أضفوا على الكلمة مفاهيم جديدة تمخضت عن الثقافة الإسلامية العربية وترعرعت في الطقس الفقهي والفلسفي.
كما أن القرآن استعمل مفردات لا صلة لها من حيث الاشتقاق اللغوي بالجذر (شخص) لتأدية المفاهيم الجديدة، نذكر منها: لفظة " وجه " التي كانت تدل على معنى الشخص، وهذا ما يؤكد القرابة بكلمة persona اللاتينية التي تدل على المظهر الخارجي. وقد تطور معنى كلمة " وجه " في اللغة العربية من المعنى المادي (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يات بصيرا) سورة يوسف: 12، الآية:92، إلى المعنى المجازي (وجه = نظر)في الآية " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ، فول وجهك شطر المسجد الحرام" سورة البقرة: 2، الآية: 143 .
وبما أن الوجه أشرف ما في الكائن أصبح يدل على الكائن كله. وأخيرا أخذ "وجه" معاني أخرى منها: "ظهور " و " صورة " ثم دل على " الوجود" ثم على الشخص بصفة عامة.
والعبارة القرآنية "وجه الله" تدل على الذات الإلهية "أينما تولوا فثم وجه الله" البقرة: 2، الآية: 112، كما تستعمل نفس الكلمة في القرآن للدلالة على الشخص البشري "ومن يسلم وجهه لله وهو محسن، فقد استمسك بالعروة الوثقى" سورة لقمان 31، الآية: 22. هكذا نرى كيف حصل اشتراك الدلالة بين وجه وشخص.
 لفظ "ذات" التي تدل على "ماهية" أو"جوهر"، وأحيانا تعني في الفلسفة مفهوم " فرد" بيد أن كل هذه المعاني طارئة لا أصيلة من جهة، ومن جهة أخرى أن لفظ " ذات " لفظ مشترك بين الكائن البشري والكائنات غير البشرية من حيوان وجماد.
 لفظ "امرؤ" و "إنسان" هذان اللفظان يدلان على الجانب الإنساني في معناه الشامل أكثر من دلالتهما على الجانب الشخصي المحدد.
إن كلمة " شخصانية " في نظر د. الحبابي أقرب إلى الصواب من الذاتية لأن لفظ شخص ينحصر في الدلالة على الإنسان، في حين أن كلمة "ذات" يشترك فيها الإنسان والحيوان، بل حتى الأشياء.
ولارتباط الوعي بالشخص يقول الحبابي: إن ميزة القداسة التي للإنسان على الحيوان تتأتى من الوعي الذي هو من خصائص الإنسان وحده: إنه الكائن الذي يحيا ويحس ويعرف ببصيرته أنه يحيا ويحس. هذا التموقف في مستوى المعاني هو الذي يؤنسن طبيعة الإنسان الحيوانية ويكسبه كرامة وامتياز “ولقد كرمنا بني آدم...." الإسراء: 17، الآية: 70. تجلى هذا التكريم في سجود الملائكة له بأمر من الله، بينما يطلب الله من الإنسان ألا يسجد أمام أي كان ما عداه سبحانه وتعالى، وأوجب على الملائكة أن يسجدوا لله وللإنسان. ثم يضيف أن كل الكائنات البشرية مدعوة لتشهد على وجود خالقها والٌإقرار له بالوحدانية، ومن ثم يجب على المؤمن أن يجسد هذا الإقرار بممارسة العبادات وبسلوكه في المجتمع (المعاملات والأخلاق) بإرادة وتمييز عقلي مع خلوص النية كما جاء في البخاري (إنما الأعمال بالنيات). هذه النية التي تمتاز باندفاع القلب والاعتناق الواعي لا بالعادة والتقليد الأعمى. وهذا قريب مما جاء في كتاب برغسون" الفكر المتحرك ".
وفي علاقة الأنا بالآخر يرى الحبابي أن الشخص يتمتع باستقلال ذاتي واستقلال ترابطي. لأن ال " أنا " في الإسلام معشري. وبالرغم عما بين الذوات من تباين فإنها تتحاب في الله، وتتواصل فيمل بينها عن طريق تلك المحبة. وبما أن الأنا يتمتع باستقلال ذاتي، لزمه أن يتجلى كوحدة متميزة عن الأشياء والكائنات التي ليست هذا " الأنا ". هذا الشعور بالانعزال داخل الكون نجده قد عوض مباشرة في الإسلام بمفهوم "الأمة ". هنا يقول الحبابي: إن حديثي عن " أنا " أو عن ذاتي، هو كذلك حديث عن الآخرين وإقرار بوجود "الأنت" و "الغير". إنه استقلال ذاتي في ترابط مع " النحن ".
بعد ذلك يحاول الحبابي الجواب عن إشكالية توازن الروح مع الجسد فيرى أن الإنسان الذي يصنع التاريخ يخضع باستمرار لضغط قوتين متناقضتين: جسد وفكر، طبيعة وروح والإسلام يعترف بأن الشخص كلية، لكنها غير متجانسة، ولهذا يأمر المسلم بأن يسعى إلى إحداث توازن بين العنصرين "ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك" القصص: 28، الآية: 77. ويؤكد ذلك الحديث النبوي: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبد، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا). يحدث تجاوز ثنائية روح – جسد نحو التوازن الوظيفي عبر مختلف العبادات، حيث ينمو الوعي عند الشخص بأنه " كل " وذلك بتأليف بين النية كتوتر روحي وبين الجسم كفعاليات حركية محسوسة. وتلعب الشهادة وساطة مزدوجة، فبفضلها يعي الإنسان نهايته، إزاء الحضور السرمدي اللامتناهي الأعظم، كما تقتاد الشهادة " الأنا " نحو اكتمال بإدماجه في أمة، أي في " نحن " معشري .
ثم انتقل الحبابي للتمييز بين الجسد والجسم فيقول إن الجسد هو كيان الكرامة والقيم المرتبطة بالشخص. والجسد البشري داخل الكينونة الفردية، معطى مستمرا ومتينا، ينكشف كواقع مفتوح على الحياة البيولوجي، بيد أنه ليس نباتا ولا حيوانا صرفا. فالجسد موجود، ويتجاوز الوجود الخام، إنه "يصير" وبصيرورته يتشخصن، أي أنه غير قابل للتشييء والموضعة. كما يطمح لإرضاء الإرادة الإلهية بالتقوى واتباع السبيل التي رسمها له الله "ولكل وجهة هو موليها، فاستبقوا الخيرات" البقرة:2 الآية:147. ففي كل فعل أو رد فعل يشرئب الجسد بصفة مباشرة أو غير مباشرة إلى ما يتجاوز الجسم.
فلسفيا يرى الحبابي أن الدور الذي تلعبه الشهادة في الإسلام مشابه للدور الذي يقوم به (الكوجيتو) في فلسفة ديكارت ولكنه كوجيتو يتجلى في بعض جوانبه معكوسا: فالمقر بالشهادة ينطلق من الله ليعود إلى الأنا، بينما في المنهج الديكارتي ننطلق من الشك إلى العالم. فالكوجيطو من الجانب المبدئي خاص بالذي يشك دون مشاركة الآخرين، أما الشهادة فهي على العكس من ذلك: إنها تظهر " أنا " يتأمل، ولكن تأملاته مترابطة لأن موضوعها هو العلاقات، علاقة الإنسان بالله، وعلاقة الفرد بالآخرين. فهو يقول: فتأملي ليس ذاتية مطلقة، بل عملية تداخل الذوات: إني أعيش دائما في حضور مع الله، لأني جزء من الكون، والله موجود في كل مكان. كما ترفض الشخصانية الإسلامية كذلك الثنائية البرغسونية التي تميز بين أنا عميق، حقيقي، باطني وبين أنا سطحي، خارجي.
فالشخص إذن وحدة مفردة مستقلة الذات، واعية لأفعالها وما يترتب عن هاته الأفعال من نتائج. وهو أيضا عليه أن يتحمل مسئولية العالم المحيط به ويحميه. فالاستقلال الذاتي والمسئولية الشخصية يستلزم كل منهما وجود الآخر، إذ لا يجوز لمؤمن أن يقوم مقام آخر في تأدية أية فريضة دينية، فلا يجزى من أي عمل بر إلا من قام به شخصيا.
في الفصل الثاني انتقل الحبابي ليبين لنا أن الشخص في الإسلام يتحدد:
 انطلاقا من كينونته كتركيب بيولوجي وحياة روحية. فبالنسبة للتكوين البيولوجي والروحي للإنسان وصف القرآن الكريم مجموع مراحل التطور تتمم كل مرحلة سابقتها (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين...) المؤمنون:23، الآية:13، 14. ويعتبر آدم وحواء الزوجين الأولين اللذين تكونا على هذا الشكل، فتفرعت عنهما الإنسانية جمعاء ولولا تدخل " الروح " لكان التكوين البيولوجي البشري الذي يتحدث عنه القرآن يطبق أيضا على الكائنات الأخرى. فبفضل هذا النفخ الروحي تبدأ حياة باطنية روحية تسترسل في نموها حتى تصل إلى تفتحها الكامل عند الشهادة.
 ويتحدد أيضا الشخص من الجانب الأخلاقي فيجب أن يكون غاية، كما هو الحال عند "كانط"، لا وسيلة يستخدمها الآخرون لأنه يستحيل أي التزام أخلاقي بدون حرية. فالدولة مثلا جهاز إنساني، لكن كثيرا ما تجرد الكائنات البشرية عن خاصيات الإنسانية، ففي اللحظة التي تحطم الدولة استقلال الأفراد الذاتي، تحول دون تشخصنهم. وحينما يصبح القوم غير مؤمنين بواجباتهم ضد الدولة، مكتفين بواجباتهم نحوها، إذ ذاك يتحول النظام إلى دكتاتورية واستبداد إذ هي التي تفكر وتشرع لهم. وعلى العكس من ذلك، ليس لخليفة المسلمين أي فضل أو امتياز خاص، فهو خليفة الله ما دام يخضع للشريعة، طبق لمبادئ الكتاب والسنة. وقد يلجأ الخليفة إلى استشارة "أهل الرأي" والأكفاء من الأمة، فيلتزم بآراء أغلبيتهم وقد أصبحت قانونا نافذ المفعول. بالتوازي مع هذا، فإن كل شخص من الأمة ملزم بطاعة الدولة إن عدلت، يتعاون معها ويخضع لها "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم" النساء:4، الآية:5.
 ومن جانب البيئة الأخلاقية، فأخلاق الإسلام لها مفهوم مغاير لما يدل عليه في الطقس المسيحي من الخضوع لأوامر الإكليروس وللأخلاق الدينية، بينما في الإسلام فلا كهنوت ولا تمييز بين ما هو ديني وما هو علماني، وتتسع روح المواطنة فتتعدى " الوطن " لتبلغ مستوى الشمول العالمي (الأمة الإنسانية).
القسم الثاني من الكتاب هو عبارة عن تحفظات وتساؤلات اعترضت طرح الحبابي وهو يؤصل لشخصانيته الإسلامية من قبيل: التعالي، وسؤال الزمن، والوحي، والإلحاد، وموقف الشخص إزاء قدرة الله المطلقة، ووضع المرأة، وقضية الرق والذمة.
بخصوص التعالي يذهب الحبابي إلى أن أصحاب اللاهوت لا يفسرون سر التعالي الإلهي وبالتالي لا يحل المشكل المطروح. فليس كل ما لم يخضع للحس والزمان والمكان يصبح موضع تساؤل وريب. فالله هو التعالي المطلق، ومخلوقاته ليست جزءا منه، ولا فيضا عنه، ولا تجسيدا لكينونته. الله خلق الانسان والكون ولكن مفهوم "خلق" هنا يتجاوز الذهن الإنساني. فدور الوحي، في واقعه ما هو إلا تعويضا عن نقص إدراكنا. فالوحي ينير الطريق الذي يسير بنا إلى أن ندرك التعالي الإلاهي، ويفتح وعينا على بشريتنا وطبيعتها المحدودة.
وبخصوص الجواب عن: هل للزمان وجود؟ يقول د. الحبابي أن الزمان موجود وجودا نحسه ونحياه. إننا نتحرك، والحركة تقتضي الزمان، ولنا ذاكرة تثبت الماضي، ولنا مخيلة، والتخيل يفترض الزمان الحاضر والماضي والمستقبل. فوجود الزمان، وجود لاصق بوجودنا، ولا يقبل العد والكم، إلا بعد أن نحياه. إنه لحمة التأريخ، ولكن لا تأريخ بدون تاريخ حي، صار أو يصير (هناك فرق بين تاريخ وتأريخ).
أما فيما يخص الوحي فهو في أساسه هداية وتوجيه، ويتجلى دوره في أن يغمر المؤمنين باطمئنان ميتافيزيقي، وأن يمنحهم الأمل، فيجعلهم يتغلبون بالحياة الروحية على التمرد والعبث. والأنبياء المكلفين بتبليغ الوحي لهم ميزة كبرى هي صلابتهم في الدفاع عن الحق والخير بالدعوة المستديمة وبالسلوك اليومي في كل عمل.
أما عن فكرة الإلحاد فيقول الحبابي أن إيمان المسلم بالله تجربة ذاتية وشخصية. ولا شيء يثبت لنا أن تجربة المنكر لوجود الله غير حقيقية. فقد أكد القرآن أن الله قد شاء أن يكون خافيا على البعض وجليا بوضوح للآخرين "هو الأول والآخر والظاهر والباطن" (الحديد: 57 , الآية: 3). فالملحد ليس بمسئول عن إلحاده، لأن الله باطن فلا تحيط به الحواس، ولا تصل إلى إدراك حقيقته العقول. والقران يقر بإمكانية الشك والإنكار لامتحان الإنسان والسماح له بالحياة والتعبير عن حريته الكلية "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" الكهف:18، الآية: 29). وقد وبخ القران كل إمعة.
ليس من أدلة علمية على وجود الله أو نكرانه. ولا يمكن ذلك لأن قدرات العلم نسبية، ولذلك فالإسلام يدعو للتأمل والحدس واستعمال النظر كي يصل الإنسان إلى أن يمارس التجربة الباطنية لوجود الله دون مخاطبة العقل الباطني. لأن الإيمان كالحب يعاش من الداخل في تجربة شخصية. فكثير من المرئيات لا يقدر البصر أن يراها فهل ننكر وجودها كالجراثيم مثلا، وكذلك سرعة الحركة لا تنفي وجود الحركة التي تخرج عن نطاق إدراكنا المباشر. لذا فالإيمان بوجود الله ينبثق من الوجدان، من القلب، تلك المضغة ذات المنطق الخاص والمنهج الخاص، وإلا تجمد مفهومنا لكينونة الله.
ومهما يكن، ليس باستطاعة المعرفة أن تدعي أنها تصل إلى استيعاب الشيء المعروف استيعابا شاملا تاما، إذ كثير ما يتبقى مجال ممكن للتأويلات الخاطئة، والمعرفة الناقصة.
وعن موقف الشخص إزاء قدرة الله المطلقة يقول الحبابي إن الشخص بالرغم من استقلاله الذاتي وحريته وقدرته على المبادرات ومواهبه، يبقى تحت مشيئة الله، وهي مشيئة لا متناهية ومطلقة وقديمة في حين أن الإرادة الآدمية متناهية ونسبية وحديثة. فطرفا المواجهة إذن غير متعادلين. كما أن إرادة الله ليست اعتباطية، بل حكيمة مدبرة: خلقت نظما، وجعلت للكائنات أطرا وغايات.
وقد نالت قضية المرأة في أبحاث الحبابي أهمية كبيرة، خصوصا في كتابه هذا حيث عنون الفصل الثاني "بوضع المرأة". فوقف وقفة طويلة لعرض وتحليل هذا الوضع، من خلال مرجعية الكتاب والسنة. بحيث تطرق الكاتب إلى عدة مواضيع تخص وضع المرأة، كتعدد الزوجات، والمساواة بين الرجل والمرأة، إشكالية القوامة بين الرجال والنساء، ليعرج في الأخير على أشكال الأسر، أي الأموسية والأبيسية.
فخطابه الإصلاحي شمل تعدد الزوجات، حيث نجده يقول: "لم يكن تعدد الزوجات قط لا واجبا ولا مستحبا، بل على العكس، للزوجة الحق بأن تضيف إلى عقد الزواج، شروطا تلزم الزوج باحترام الزواج الأحدي، فلا يضارها، وأن يؤدي لها تعويضات في حالة الطلاق ، مضيفا بأن التفاضلية توجد في التقوى فقط، يقول لنتأمل سورة النساء "يأيها الناس، اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء. واتقوا الله الذي تساءلون به الأرحام، إنه كان عليكم رقيبا" النساء:4،الآية:1.
فالتعددية لها أسباب إما اجتماعية أونفسية أوبيولوجية شريطة أن يكون هناك توافق مع الزوجة، لذا يقول الحبابي إن موقف الإسلام إزاء تعدد الزوجات، فإنه يدخله من النافذة الضيقة ويخرجه من الباب الواسع، إن صح التعبير (تعبير الحبابي). فالإسلام يصل بنا إلى تحريم ضمني لتعدد الزوجات لكثرة ما وضع له من قيود كالمطالبة بالإنصاف والنزاهة بين جميع الزوجات، وهذا من قبيل المستحيل: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم" (النساء 4 أية 129).
أما بخصوص المفاضلة بين النساء والرجال، يقول الحبابي أن المرأة تحتفظ باسمها (الاسم العلم) لأنه صميمي في " أناها "، فلا تتنازل عنه لتحمل اسم زوجها. فليس في الإسلام قانون يفرض عليها أن تنسلخ عن شخصيتها لفائدة اسم الزوج.
كما يحتوي القانون الشخصي للمرأة على كثير من الحقوق، مثل الحق في الزواج، والحق في تكوين أسرة، والحق في الإرث، وفي الملكية الشخصية اللذان يبقيان ممتلكات خاصة بها.
بالإضافة إلى تحريرها من ظلم القبيلة ومن العادات التابووية، ومن أعراف العصر الجاهلي: مثل وأد البنات، وكازدراء الأنثى وتفضيل الذكر. كما أعطاها الإسلام حريات أساسية، وقرن القرآن دائما الرجل بالمرأة في كل الحالات، فلم تعد شيئا من أشياء الرجل، بل قرينته وكفئا له.
المشاكل التي توجه ضد الشخصانية الإسلامية والتي تثيرها وضعية المرأة ترجع جميعها إلى الأحوال القانونية للمرأة لا إلى وضعها ومصيرها كشخص. فالمرأة تقرن بالرجل كلما خاطب الله الناس. (ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ...) الأحزاب، 33 الآية: 35. والسنة كذلك، نذكر منها خطبة الوداع التي أعلت من شان المرأة. إن التعسف ضد المرأة ظاهرة عرفتها الإنسانية على مر تاريخها واختلاف أديانها، فليست من خاصية العالم الإسلامي. فبما أن الفقهاء أغلبهم من الرجال، فقد أولوا المشاكل من منظار الرجل أكثر من اللازم.
وبالرغم من ذلك فوضع المرأة المسلمة وضع تحرري ممتاز إذا قورن بما كانت عليه المرأة العربية في الجاهلية، أو المرأة عند الشعوب القديمة " العريقة في المدنية " كالمرأة في أثينا أو عند الرومان والفرس. أما فيما يخص قوامة الرجل على المرأة فيؤكد الحبابي أن الرجال قوامون علة النساء سورة النساء الآية "قوامون" تدل على العناية والاعتناء والحماية والقيام بشؤون الغير.
قوامون على النساء" أي يتكلفون بمصالحهم المادية، مادامت النفقة فرضا على الرجل. فتفوق الرجال حسب الحبابي مغتصب، وليس أصيلا في الطبيعة البشرية. كما تبينه السيكولوجيا الحديثة. إنه تفوق كسبي، في مجتمع سادته الأبيسية المطلقة، إلى حد أن النساء صرن كما يصفهن المناريون أنفسهم: "كالأتن الحاملة، والبقر العاملة...".
لذا علينا أن نسجل بكل تأكيد أن النظام الأموسي قد ولى كما أن عصر الأبيسية قد شاخ، وقد ظهر تفتح نظام جديد تتكامل فيه الأبيسية مع الأموسية داخل نسق جديد.
إشكال آخر طرحه الحبابي وهو: كيف يمكن التحدث عن الشخصانية في بيئة تسمح شريعتها بممارسة الرق والذمة؟
وكان جوابه أن كل من العبد والحر عبد من عباد الخالق، فليس الفرق بينهما نوعيا، وإنما عرضي لا يتجاوز الوضع المجتمعي والقانوني لكل واحد، على أن هذا الوضع القانوني قد دخلت عليه كثير من التعديلات الإصلاحية، كما هو واضح في كثير من الآيات والأحاديث. فتحرير شخص ما يعد تقوى وعملا ذا قيمة أخلاقية عظمى:" وما أدراك ما العقبة، فك رقبة" (البلد 90 الآية:12،13).
كما أن أهل الذمة يتمتعون بكامل شخصيتهم المتمثلة في حرية الدين والحق في الثقافة واحترام لغاتهم وأعرافهم وقوانينهم الشخصية، فمعابد، ومقابر، ومدارس، ومحاكم أهل الذمة تتمتع بنفس القداسة التي لمساجد ومقابر ومحاكم المسلمين. وشريعة القرآن تعتبر قانون الذمة نوعا من الضيافة بتعاقد. والجزية فرضت على الذميين في مقابل حمايتهم وصونهم من كل عدوان.
حاول الحبابي في القسم الثالث أن يبين الأسباب الأساسية لانحطاط العالم الإسلامي منذ القرن السابع الهجري. وقد أرجعها إلى: أسباب داخلية وأسباب خارجية.
 الأسباب الداخلية تتلخص في الانغماس في الشكليات وعبادة الماضي (العادة) مع رفض التجديد، وكذا موت اللغة العربية حيث أصبحت مجرد صيغ جامدة، في أغلب الأحوال لغة مدرسية.
 الأسباب الخارجية تكمن في العوامل الاقتصادية والمجتمعية التي طرأت على المجتمع الإسلامي، ينضاف إلى ذلك عامل مهم وهو عامل التصوف الذي غير الروح الأصلية للإسلام مع التصوفين المحترفين.
كما تطرق الحبابي في هذا القسم إلى السلفية الإسلامية وعلاقتها بالنهضة الغربية فذهب إلى أن مفكرو النهضة الأوروبية قدسوا التراث الإغريقي حتى أصبح يمثل حجر الزاوية للحضارة الأوروبية، وأصبح رجال النهضة من الكلاسيكيين يمثلون نماذج يستحيل بلوغها لشدة ما خصوها به من تقديس. وفي المقابل أدانت النهضة الأوروبية العصر الوسيط، فأوقفت بذلك نمو الحضارة، أما السلفية، فعلى العكس من ذلك اعتبروا العصر الوسيط من إبداع بالنسبة للعالم الإسلامي، وفترة تجديد بالنسبة للحضارة الإنسانية. واعتمادا على مبدأ الاجتهاد، أخذت السلفية المعاصرة تتبنى تأويلات جديدة من اجل تكييفه مع المستجدات التي نشأت عن الالتقاء بالغرب في القرنين التاسع عشر والعشرين.
وأضاف الحبابي أن السلفيين لم يدركوا في نهاية القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين العلاقة بين الإصلاح الديني، من جهة، والتطور المجتمعي، من جهة أخرى، دون مراعاة الأزمة الخانقة التي ترتبت عن مجابهة الاستعمار والتصنيع.
فبدل أن ينطلقوا من التيارات العظمى للفكر المعاصر، اكتفوا بالتنويه والإشادة بالإسلام، وهذا لا يفيد في المعارك التي تخوضها الديانات اليوم. وبذلك لم يؤثر السلفيون في بنيات المجتمع الإسلامي المعاصر ولم يعيدوا النظر في أسس الدين بصورة تجعله يجيب عن تساؤلات الإنسان المعاصر (فمن غير الممكن تصور معرفة ليست تحررا، أو تصور تحرر ليس معرفة).
خاتمة
وبهذا يكون الحبابي من خلال كتابه" الشخصانية الإسلامية"، قد حاول" التأكيد على عدم وجود أي تناقض بين مبادئ الفلسفة الشخصانية ومبادئ العقيدة الإسلامية، ذلك أن الإسلام من خلال نصوص الوحي جعل الإنسان حرا منذ البداية غير خاضع لأي إرادة توجه اختياراته. كما يدفعه منذ اللحظة الأولى إلى الدخول في المجتمع كفرد لا يعي ذاته إلا من خلال الآخرين.
وختاما لا بد أن نشير إلى أن فلسفة الحبابي قد ووجهت بالنقد اللاذع من طرف البعض، مثل محمد عابد الجابري الذي قال إنها لا تنتمي إلى الخطاب العربي المعاصر لأنها، في نظره، كتبت بلغة أجنبية. لكن هذا النقد الموجه للفكر الفلسفي عند الحبابي لا يعني عدم وجود قول منصف له، فمثلا الدكتور سالم يفوت له نظرة أخرى من خلال بحث له تحت عنوان "الهاجس الثالثي في فلسفة محمد عزيز الحبابي". حيث يصف فلسفة الحبابي مقارنة مع الفلسفات السائدة داخل الجامعة وخارجها بأنها "أحد المذاهب الأكثر تقدما والأكثر انفتاحا على المعطيات العلمية والتجريبية الحديثة، وأكثر معانقة لقضايا الإنسان والتاريخ، وهذا ما يجعل الحبابي يقرأ فيها همومه الثالثية، ويرى فيها فلسفة تناسب مشاكله الخصوصية والتي هي مشاكل الشعوب المقهورة والتابعة.
إعداد الطالبة: لطيفة عبد العالي/ تحت إشراف: الدكتورأحمد الفراك
المصدر: صفحة فلسفة مغربية

عن الكاتب

في رحاب العلوم الانسانية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

في رحاب العلوم الانسانية

2025