في رحاب العلوم الانسانية  في رحاب العلوم الانسانية
recent

آخر المقالات

recent
random
جاري التحميل ...

درس النظرية و التجريب / يقترحه : ذ رضوان ايار

           المحور الأول: التجربة والتجريب

درس النظرية و التجريب / يقترحه : ذ رضوان ايار

- إن الحديث عن النظرية داخل الممارسة العلمية يقتضي منا الوقوف عند عدة تساؤلات ذات طبيعة ابستيمولوجية ومن بين هذه التساؤلات يستوقفنا سؤال الفرق بين مفهومي التجربة والتجريب؟

يميز الفيلسوف الفرنسي "ألكسندر كويري" بين مفهوم التجربة بصفة عامة باعتبارها مجموع التعلمات و الخبرات التي يكتسبها الفرد من الحياة و تتميز بالعمومية و النفعية و الذاتية و المباشرة و يخضع لملاحظة عامة غير دقيقة عفوية و يعتبرها عائقا أمام العالم و بين التجريب و التجربة العلمية التي هي إعادة بناء ظاهرة معينة وفق شروط محددة يصنعها العالم داخل مجال مختبر في زمان و مكان محدد متحكم فيه يتيح للعالم مراقبة الظاهرة بشكل دقيق و تسجيل ملاحظته خلال مسارها انطلاقا من توجيه عقلي محدد علمي

ما هي الخطوات الإجرائية للمنهج التجريبي وما هي شروط الواقعة التجريبية كي تكون واقعة علمية؟

*  تصورالرياضي الفرنسي المعاصر " توم رونيه"

يميز بين التجربة والتجريب. فإذا كانت التجربة في العلم الكلاسيكي تعني التكرار فإن التجريب يعني بناء التجربة وفق ادوات وشروط علمية دقيقة يلخصها في الشروط التالية

:1 عزل الظاهرة ويقتضي بذلك مختبرا علميا مجهزا.

 2 اعتماد وسائل علمية تجريبية.

 3 تسجيل مجمل التغيرات التي تظهر على الظاهرة المدروسة.

بالاعتماد على هذه الخطوات يتسنى للعالم الانتقال من التجربة بمعناها الكلاسيكي الى التجربة بمعناها المعاصر أي الانتقال الى التجريب الذي يخول للعالم بناء النظرية العلمية.

*  في ذات السياق يعدد الفرنسي "كلود برنار" التجربة باعتبارها خطوة تتحقق من خلالها الفكرة او الإفتراض القبلي الذي يبنيه العالم حول ظاهرة ما وفي هذا الإطار ميز الفيلسوف داخل المنهج التجريبي بين الخطوات التالية:

 1 الملاحظة وداخل الملاحظة يمكن ان نميز بين الملاحظة العامية والملاحظة العلمية.

 2 الفرضية وهي الفكرة التي يكونها العالم حول ظاهرة ما وداخل الفرضية يمكن ان نميز بين الفرضية التخمينية والفرضية العلمية.

3 التجربة وهي المحك الذي نختبر من خلاله الفرضية. فإذا ثبت صدقها تحولت من فرضية تخمينية الى فرضية علمية.

 4 استنتاج وصياغة القانون وهي الخطوة التي ينتمي اليها العالم من استخلاص النتائج العلمية وبناء القوانين النظرية. اعتبارا لهذا سنجد كلود برنارد يلخص هذه الخطوات في قوله ( ان الفكرة التي تبلورت من خلال الوقائع هي التي تمثل العلم . اما الفرضية التجريبية فليست سوى فكرة علمية متصورة. ان النظرية ليست شيئا عذا الفكرة العلمية المراقبة من طرف التجربة).

المحور الثاني: العقلانية العلمية

-  ماهي الأسس التي تقوم عليها المعرفة العلمية؟

هل هي التجربة والاحتكاك المباشر بالواقع أم العقل أم ان تحصيل معرفة علمية يفترض الحوار بين العقل والتجربة؟

يؤكد إنشتين على أن النسق النظري للعلم المعاصر يتكون من مفاهيم ومبادئ هي إبداعات حرة للعقل البشري. من هنا فالنظرية العلمية تبنى بناءا عقليا خالصا، أما المعطيات التجريبية فهي مطالبة بأن تكون مطابقة للقضايا الناتجة عن النظرية وتابعة لها.

هكذا يعتبر إنشتين أن العقل العلمي الأكسيومي بكل ما يتميز به من رمز وتجريد، كفيل بإنشاء النظرية العلمية، وما التجربة إلا المرشد في وضع بعض الفرضيات من جهة، وفي تطبيقها من جهة أخرى. كما يؤكد على الدور الذي أصبح يلعبه العقل الرياضي في الكشف عن النظريات العلمية ابتداءا ودون أية تجارب سابقة. فالبناء الرياضي الخالص يمكننا من اكتشاف المفاهيم والقوانين التي تعتبر مفتاحا لفهم الظواهر الطبيعية. وهذا ما يجعل العقل الرياضي هو المبدأ الخلاق في العلم، كما يجعل من العقلانية العلمية المعاصرة عقلانية مبدعة.

2- موقف غاستون باشلار:

يؤكد باشلار على أهمية الحوار الجدلي بين العقل والتجربة في بناء المعرفة العلمية. تتأسس الفيزياء المعاصرة في نظره على يقين مزدوج: الأول يتمثل في أن الواقع العلمي ليس واقعا معطى عن طريق الحواس، بل هو واقع مبني بناءا عقليا ورياضيا، وهو ما يعني أن الواقع يوجد في قبضة العقل. أما اليقين الثاني فيتمثل في القول بأن بناءات العقل وبراهينه لا تتم بمعزل عن الاختبارات والتجارب العلمية. هكذا انتقد باشلار النزعة الاختبارية الساذجة التي اعتقدت أن التجربة هي مصدر بناء النظرية العلمية، كما انتقد النزعة العقلانية المغلقة التي تصورت أن العقل قادر لوحده على بناء المعرفة بشكل منعزل عن الواقع. وعلى العكس من ذلك اعتبر باشلار أن بناء المعرفة العلمية المعاصرة يتم في إطار حوار متكامل بين العقل والتجربة. هكذا فالعقل العلمي المعاصر مشروط بطبيعة الموضوعات التي يريد معرفتها، فهو ليس عقلا منغلقا ثابتا بل منفتحا على الواقع العلمي الجديد الذي يتناوله. من هنا ينعت باشلار فلسفته بالعقلانية المنفتحة وأيضا المطبقة، والتي تتم داخل وعي غير معزول عن الواقع. لكن الواقع العلمي نفسه هو واقع متحول ومبني بناءا نظريا وعقليا.

المحور الثالث: معايير علمية النظريات العلمية

    -  يحيلنا الحديث عن علمية النظريات العلمية الى التساؤل عن معاييرها؟  لقد شكل هذا السؤال متار جدل بين الأطروحات والتصورات المختلفة، ما هو اذن معيار علمية نظرية ما؟

*ينظم " اينشتاين" الى هذا السجال ويعتبر ان التجربة لا تشكل بمعناها الكلاسيكي أساس المعرفة العلمية بل تشكل عائقا ابستملوجيا يحول دون بناء المعرفة العلمية وتقدمها، فالمعرفة العلمية المعاصرة أصبحت تقوم على مقدمات العمل الرياضي القائم على الاستنباط   والاستنتاج   والتماسك المنطقي الرياضي بحيث تكون نتائج هذا النسق الرياضي متطابقة مع التجربة، يمكن أن نفهم ذلك من خلال المعرفة العلمية المعاصرة.

1- موقف بيير تويليي:

إذا كان بيير دوهايم، وهو أحد أنصار النزعة التجريبية الوضعية، يرى بأن غاية النظرية الفيزيائية هو أن تمثل تماما، وبصورة صحيحة، مجموعة من القوانين التجريبية، بحيث يشكل الاتفاق مع التجربة بالنسبة للنظرية الفيزيائية المعيار الوحيد للحقيقة، فإن بيير تويليي يقول بمعيار تعدد الاختبارات كشرط أساسي للقول بعلمية نظرية ما. هكذا لا يمثل في نظره معيار القابلية للتحقق التجريبي المعيار الوحيد والنهائي لعلمية وصلاحية نظرية ما، بل لا بد من خروج النظرية من عزلتها التجريبية بإضافة فروض جديدة ترسم للموضوع الملموس، الذي يعتبر مرجع النظرية، نموذجه النظري المنسجم مع النظرية في كليتها.

إن أية تجربة علمية لا تتم بدون مساعدة نظريات أخرى، كما أنه لا توجد تجربة حاسمة، إذ تظل نتائج التحقق التجريبي جزئية وقابلة دائما للمراجعة. لذلك فمعيار علمية النظرية يكمن من جهة في إخضاع النظرية لاختبارات تجريبية متعددة، والعمل على المقارنة بينها، كما يكمن هذا المعيار من جهة أخرى في اختبارات التماسك المنطقي للنظرية ومقارنتها بنظريات علمية أخرى.

2- موقف كارل بوبر:

إن معيار علمية النظرية عند كارل بوبر هو قابليتها للتفنيد أو التكذيب. هكذا يجب على النظرية، إن شاءت أن تكون علمية، أن تكون قادرة على تقديم الاحتمالات الممكنة التي تفند بها ذاتها وتبرز الثغرات الكامنة فيها. ويرى بوبر أنه يمكن أن نطلق على معيار القابلية للتكذيب أيضا معيار القابلية للاختبار، لأن قابلية النظرية للتكذيب معناه أنه يمكن اختبارها بشكل دائم من أجل تجاوز العيوب الكامنة فيها. وهذا يدل على انفتاح النظرية العلمية ونسبيتها. أما النظرية التي تدعي أنها يقينية وقطعية ولا عيوب فيها، فهي مبدئيا غير قابلة للاختبار.

إن الطابع التركيبي والشمولي للنظرية يجعل من المستحيل تقريبا التحقق من صدقها أو كذبها بواسطة التجربة. لذلك اقترح بوبر القابلية للتكذيب معيارا لعلمية نظرية ما، وإن لم تكذب فعلا، أي أن تتضمن في منطوقها إمكانية البحث عن وقائع تجريبية تكذبها.

عن الكاتب

في رحاب العلوم الانسانية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

في رحاب العلوم الانسانية