إنشاء فلسفي
من اقتراح
يونس المريحي
الموضوع الأول
السؤال :
هل يمكن الفصل بين النظرية و التجربة في البحث عن الحقيقة ؟
الامتحان الوطني
للباكلوريا المغربية/الدورة الاستدراكية/مسلك العلوم الإنسانية/2009
الإنشاء
يتحدد
منطوق
هذا السؤال ضمن مجال المعرفة، ويعالج مفهومين مركزيين النظرية والتجربة في ارتباطهما بمفهوم الحقيقة ويتساءل عن نوعية العلاقة بين النظرية والتجربة
وإمكانية الفصل أو الربط بينهما في البحث عن الحقيقة هذا ما يثير إشكالا جوهريا:
هل العلاقة بين النظرية والتجربة علاقة إنفصال أم اتصال في البحث على الحقيقة؟
للإجابة عن هذا الإشكال الذي ينطوي عليه السؤال المطروح للتحليل والنقاش يقتضي
الأمر الحسم مع المفاهيم المؤتتة
لبنية السؤال إذ نلاحظ أنه ابتدأ بأداة استفهام "هل" و هو أداة يطلب به
التصديق أي الجواب بنعم أولا أو بهما معا كما يتضمن بناء السؤال مفهوم مركزي (النظرية)
التي تشكل نسقا من المبادئ والقوانين التي تنظم معرفتها بوقائع معينة وتسمح لنا بفهمها من حيث هي نسق تتميز بالتماسك
المنطقي وبشكل عام تحليل إلى العقل . أيضا تم استخدام مفهوم التجربة في مقابل
النظرية إذ تعني" التجربة" واقعة ما أو احساسا ما، أو فكرة أو حقيقة،
تكون معطاة من طرف التجربة، فحينما تكون موضع معانية خالصة تستبعد كل اصطناع أو
تدخل أو بناء من طرف الفكر . أما الحقيقة كمفهوم فتعني فكرة مطابقة لموضوعها، يتم
التحقق من صدقها لكونها تتصف باليقين. هذا و نجد أن السؤال قد وظف مصطلح "البحث"
أي طلب الوصول إلى غاية معينة والغاية هنا حسب السؤال تتمثل في الحقيقة. من خلال
هذا التحديد الأولي للمفاهيم المكونة لبنية السؤال يمكن الربط فيما بينها
بالاعتماد على عملية التحليل، حيث نجد أن هناك تساؤل ضمني يصبوإلى تفسير طبيعة
العلاقة بين النظرية والتجربة في البحث عن الحقيقة ، فهل هذه العلاقة تتجسد في
الفصل ؟ أي أن النظرية (الفكر) هي التي بإمكانها أن تقودنا إلى الحقيقة ، أي عن
طريق استخدام العقل بعيدا على التجربة ، أم أنها تتجسد في الإتصال بين النظرية
المبنية فكريا و التجربة المعطاة ؟
في
المقابل نجد أن الأمر قد يأخذ في شقه الآخر من السؤال بعدا أخر ، على اعتبار أن
التجربة هي ما تقدمه لنا الحواس من وقائع أي المعطى الموجود أمامنا ، و هو الذي من
خلاله نصل إلى الحقيقة ، هذه الأخيرة تتوقف على التجربة أولا لكون التجربة تمدنا
بالمعارف وهي التي تبرمج من خلال الفكر وبالتالي نصل إلى الحقيقة.
يتبين إذن أن هناك تقابل مفصلي بين طرح وآخر
في رؤيتهما لمسألة البحث عن الحقيقة بالاعتماد على النظرية والتجربة أي ضمن علاقة الإتصال و الإنفصال و بالتالي فإن مسعانا
سيكون محاولة لتبيان كل تصور على حدة ، في
عملية البحث عن الحقيقة ومن هنا نجد تصور أخر يجمع بين الطرفين (النظرية والتجربة)
، إذن الفكر والتجربة عاملين متصلين فيما بينهما فيما يخص مسألة البحث عن الحقيقة
حيث لا يصح العمل بأحدهما دون الأخر، أي أنهما يدخلان في علاقة تفاعلية.
يتبين
من خلال هذا التحليل أن الأطروحة المركزية التي ينبني عليها مضمون السؤال هو أنه
بإمكاننا الفصل بين النظرية والتجربة في البحث عن الحقيقة. ينفتح هذا التصور بحكم نسبية
أبعاد أطروحة على مواقف أخرى منها ما يؤيد هذا التصور ومنها ما يخالفه أو يأخذ
الموقف الأحادي في البحث عن الحقيقة، هذا يدفعنا إلى مناقشة هذا الأمر باستحضار
"الكوجيتو الديكارتي" الذي يشكل
نموذج في بداهته ، فهو يتصف باليقين والوضوح كونه يرتبط بالحدس العقلي لكن هذا الحدس ليس أوليا
مباشرا بل ثمرة استدلال عقلي، يتأسس في منطقه على الشك المنهجي و بالتالي فمفهوم
البداهة يرتبط ارتباطا وثيقا بالرياضيات ، فقد أشاد "ديكارت" بالمنهج
الرياضي ومن تم فمعيار البداهة معيار دقيق و كاف للحقيقة أي أن الفكر (النظرية)هي
التي تمكننا من الوصول إلى الحقيقة.فهل نعتمد على العقل وحده كمرجع للحقيقة ؟
و
من ثم تبدو ضرورة الملاحظة و التجربة
للتحقق من صدق أحكامنا أو معارفنا وهذا ما ذهب إليه "جون لوك" و دافيد هيوم" و
غيرهما من الفلاسفة و العلماء. و على خلاف ذلك نجد أن (كانط)قد أدرك في القرن
الثامن عشر أن معارفنا أو أن الحقيقة يتم التوصل
إليها عن طريق النظرية و التجربة إذ يقول على العقل أن يتقدم بالمبادئ التي
تحدد أحكامها وفق قوانين ثابتة و أن عليه أن يرغم الطبيعة على الإجابة عن الأسئلة التي
يطرحها و أن لا يترك نفسه ينقاد بحبال الطبيعة وحدها مؤكدا أن التجريب هو أيضا يتم بتوجيه من العقل و
مبادئه.
يبدو أن البحث عن الحقيقة يتم بواسطة
الاعتماد على النظرية و التجربة حسب (كانط).
نستنتج
من عملية التحليل و المناقشة أن البحث على الحقيقة يتطلب إما الاعتماد على النظرية
و إما على التجربة فقط أو هما معا.هذا ما يوضح جليا أن الخطاب الفلسفي هو تعبير عن
تعدد في المواقف و أن مجال المعرفة واسع تختلف الإسهامات الفلسفية في شأنه و ذلك
ما نلاحظه من خلال المواقف التي عرضناها للنقاش.
مع تحيات موقع
تفلسف
tafalsouf.com