إنشاء فلسفي
من اقتراح كريم بن الليمون
الموضوع الأول
السؤال:
هل الخضوع للقوانين يلغي حرية الإنسان؟
الامتحان الوطني للباكلوريا المغربية/الدورة
الاستدراكية/ جميع المسالك العلمية و التقنية و الأصيلة/2009
الإنشاء
يندرج السؤال الإشكالي المطروح في إطار
علاقة السياسة بالأخلاق.ويثير بشكل أدق،إشكالية مفهوم الحرية كقيمة إنسانية عليا
في علاقتها بالقوانين.وفي سياق ذلك،يمكن طرح تساؤلات متعددة أهمها:هل القوانين
تشكل نقيضا لحرية الإنسان؟ألا يمكن اعتبار حرية الأفراد المطلقة بدون قوانين مسا
بحرية المجتمع ككل؟لكن،ألا يمكن أن تمارس
هذه القوانين سلطة بخلفيات الوصاية و الحجر على حريات الأفراد في ذاتهم؟
قبل التوقف عند بعض الأطروحات الفلسفية
التي انشغلت بالإشكاليات المشار إليها، لا بأس من تحديد الألفاظ الأساس الواردة في
السؤال الإشكالي. فبعد قراءة متمعنة للسؤال، يمكن استخراج لفظين هامين هما: القوانين
والحرية. فالقوانين، بشكل عام، تحيل على نصوص تمارس سلطة تأثيرية على الأفراد في
علاقتهم بمحيطهم، والتي قد تأخذ بحرفيتها أو بروحها.
أما في ما يخص
"الحرية"،فهي تقترن بإرادة مستقلة عن كل إكراه أوحتميات.ومن الواضح،أن
هذه الدلالة العامة لا تراعي خصوبة العلاقة الوطيدة بين المفهومين،على اعتبار أن الأمر
يبدو وكأنهما منفصلين في مجال اشتغال كل منهما،الأمر الذي يستبعده الطرح الفلسفي.
وإبرازا لتلك العلاقة الإشكالية بين القانون والحرية،كانت مهمة
تاريخ الفكر الفلسفي تفكيك وإعادة بناء الأدوار التي تضطلع بها القوانين في مدى
توفيرها أو حدها من الحريات، وكذا في مدى عقلنة استعمالها.
يعتبر ج.ج.روسو من بين الفلاسفة الذين قدموا أطروحة متميزة في
إطار الإشكالية التي نحن بصدد دراستها. فصاحب كتاب "العقد الاجتماعي"
يؤكد على موقف جوهري مفاده أن القانون هو شرط تحقق الحرية. وفي أطروحته هذه، يوظف
مفاهيم موازية لتأكيدها، كالإشارة إلى مفهوم "التعاقد"، الذي يعني ذلك
القانون الذي اتفق الناس على الالتزام بمضمونه بكل حرية وبدون إكراه. وحينما نقرأ
عبارته "لا وجود لحرية بدون قوانين"، فإن الحرية التي يجب أن نفهما هنا،
هي تلك التي لا تكمن في أن يفعل كل فرد ما يحلو له، وإنما في الخضوع لتعايش
الحريات كقانون نابع من إرادة مشتركة منخرطة بتلقائية في ما تم الاتفاق عليه خارج
كل سلطة استبدادية أوتوقراطية، وداخل ثقافة ديمقراطية شعبية مشبعة بقيم كونية. وفي
هذا الإطار، رفض ج.ج.روسو رفضا قطعيا كل حرية خارج القانون، بما في ذلك القانون
الطبيعي كما أشار إلى ذلك في العديد من المناسبات.
وفي نفس الاتجاه سار مونتيسكيو، حينما تحدث عن فصل السلطات في
"روح القوانين" وذلك تفاديا لتداخل الاختصاصات وغموض أدوار الفاعلين
السياسيين.
إن معرفة كل سلطة لحدود أدوارها ومجال اشتغالها
وأهمية قراراتها من شأنه رفع كل وصاية ممكنة على الأفراد. " ففي الدولة التي
تسود فيها القوانين لا يمكن للحرية أن تقوم إلا على فعل ما يجب أن نريده، وأن لا
نجبر على فعل ما لا يجب أن نريده". و من ثم فتح باب المبادرات والحريات
الفردية دون أن تصل بالمس بحريات الآخرين.
لكن،وبالمقابل، ألا يمكن القول أن أطروحة كل من روسو ومونتيسكيو
ذات قيمة مثالية وتوافقية أكثر منها تعبيرا عن صراعات حقيقية حول مواقع القرار
السياسي للسيطرة على الحكم، ومن ثم إصدار قوانين تعسفية تخدم طبقة اجتماعية دون
أخرى؟
لعل الفكر الماركسي من بين المرجعيات الفلسفية الريادية التي
حاولت الإجابة والتفاعل مع السؤال الآنف
الذكر. فبالنسبة لماركس،لينين،برودون،يعتبرون،بدرجات متفاوتة، أن مصدر القوانين
ليس هو الاتفاق والتعاقد كما يعتقد أصحاب نظرية العقد الاجتماعي والديمقراطية،
بينما هو نتاج لسلسلة مريرة من الصراع حول السلطة والتملك. فقانون القوة وليس قوة
القانون هو ما يمنح للنصوص القانونية تلك المشروعية المزعومة لضمان حريات الأفراد.
بمعنى آخر، إن الطبقة الأكثر امتلاكا لوسائل الإنتاج هي التي تفرض قوانين تنسجم مع
ذهنيتها الاستغلالية والاحتكارية(حق الفيتو بالنسبة للدول الكبرى)لحقوق الأفراد،
رغم ما قد تتضمنه هذه القوانين من مبادئ مثالية تسيل لعاب الفقراء والمهمشين..
إنها مثالية لأنها تتجسد في الواقع التاريخي الملموس الذي يشهد على تعصب إيديولوجي
وفكري وديني أكثر ما يعبر عن حق الاختلاف وحرية التفكير واختيار أسلوب حياة متميز.
وتأسيسا على ذلك، يمكن القول، وفق القراءة الماركسية، أن الأفراد لا يستطيعون
التمتع بحريتهم في ظل المجتمعات الرأسمالية التي تتحرك فقط على أرضية الصراع حول
المواقع، وتستعمل "حرية الإنسان" كشعار إيديولوجي لتبرير واقع استغلال
الفرد وانتهاك حرياته باسم المصالح.والبديل الماركسي هنا، هو الثورة على القوانين
الناشئة في كنف الاستيلاب الرأسمالي وعدم الخضوع لها، فالحرية الحقيقية هي تلك
التي ستسود في مجتمع لا طبقي سيصل إليه الإنسان في إطار قانون الحتمية التاريخية
الجدلية. وهنا تصبح الحتمية مرادفا للحرية حين وصولها إلى غايتها.
يبدو أن علاقة القانون بالحرية هي علاقة إشكالية معقدة، ورأينا
كيف أن العلاقة بينهما تكتسي علاقة خاصة في المجال الأخلاقي والسياسي
والسوسيواقتصادي.وكاستنتاج عام، يمكن القول أن الحرية لا تقتصر فقط على الخضوع
للقوانين الوضعية.أو على الفعل المطلق، بل هي منفتحة باسمرار على الالتزام
المتوازن بالواجب إزاء الذات والمجتمع دون إقصاء طرف على حساب طرف آخر.
مع تحيات موقع تفلسف
tafalsouf.com