أجرت الحوار : كاترين غراسيي
لقد عمل المهدي المنجرة لمدة طويلة في كنف منظمة الأمم المتحدة حيث شغل على الخصوص منصب رئيس قسم إفريقيا ونائب المدير العام لليونسكو .وفي سنة 1992 نشر كتابه المعنون ب : ” الحرب الحضارية الأولى ” ، وهو صاحب أطروحة تقول إن الصراع الذي ابتدأ في شهر غشت من سنة 1990 قد قاد نحو الحرب الحضارية الأولى التي لا تشكل حرب الخليج إلا الفصل الأول من صراع بين الشمال والجنوب تهيمن عليه اعتبارات من طبيعة ثقافية ؛ صراع رهانه هو التنوع الثقافي في مواجهة نزعة هيمنية جديدة تتأسس على القوة وعلى قدرة تدميرية غير مسبوقة في تاريخ الإنسانية . المهدي المنجرة يعود إلى الأحداث الخيرة بالعراق .
- سؤال : ما هو رد فعلكم على شنق صدام حسين ؟ ..
– أعتقد أن دور الفرد في نظام بأكمله هو دور ثانوي ؛ والحديث عن عراق صدام حسين أو عن مغرب الحسن الثاني هو طريقة بدائية لتحليل الأحداث ، وذلك لأن تاريخ البلدان والعلاقات الدولية لا يختزل في شخص واحد كيفما كانت أهميته ، لذلك فإنني أفضل إعمال الفكر لتحليل فترات زمنية تتكون من عشرين أو ثلاثين سنة .
- سؤال : كيف تحللون دور الولايات المتحدة في العراق ؟ ..
– إن كل الناس يتحدثون عن سنة 2003 باعتبارها السنة التي هوجم فيها العراق ، وهذا خطأ ؛ فسنة 2003 كانت السنة التي احتل فيها العراق ، إذ أنه ومنذ 17 يناير 1991 ( بداية حرب الخليج الأولى ) إلى اليوم لم يمر يوم واحد دون أن يقصف السكان العراقيون، أي أن العراق قصف منذ 300 شهرا ، أي 93000 يوما ، مما نجم عنه 3 ملايين قتيلا ، وعلى سبيل المقارنة فقد استمرت حرب الفييتنام 90 شهرا فقط .
- سؤال : كيف تفسرون هذه الحملة الساخنة على العراق ؟ ..
– لقد ولد عنف هجمات نيويورك ( هجمات 11 شتنبر 2001 ) التي كانت رهيبة خوفا يتم استغلاله اليوم من أجل ممارسة الحكم ، وهو ما أسميه ” الفوبيوقراطية ” . إن مفهوم الإرهاب يتم استخدامه بصورة تمكن من تبرير كل الأفعال ، بما فيها إرهاب الدولة ، وما قامت به الولايات المتحدة بأفغانستان وبالعراق وبمناطق أخرى من العالم يدخل ، في نظري ، في إطار إرهاب الدولة الذي يتصدى لإرهاب آخر هو إجرامي بدوره ، كما أن حكومات العالم الثالث تستخدم بدورها هذه ” الفوبيوقراطية ” ؛ فالخوف في بلداننا يستغل من قبل الديكتاتوريين لتبرير أفعالهم ، ولتبرير الزج بالناس في السجون ، ولتبرير عدم محاكمتهم لبعض هؤلاء .
- سؤال : كيف تقرأون التاريخ القريب للعراق تحت هيمنة هذه ” الفوبيوقراطية “؟
– لقد استغلت الولايات المتحدة وإسرائيل معها هذا الخوف بالقول إن هناك أسلحة دمار شامل بالعراق ، وبذلك تم تبرير مهام لجان التفتيش التابعة للأمم المتحدة ، ثم عمليات القصف والإطاحة بصدام حسين ، ثم تمت تصفية رجل تم تنصيبه في السلطة والحفاظ عليه فيها من قبل الغرب الذي قبل أن يبيع له الأسلحة الكيماوية . لماذا ؟ .. لأن صدام حسين في وقت ما كان لائكيا رغب في فصل الدين عن الدولة ، وكان مستعدا لمحاربة البلد الذي عرف ثورة إسلامية حقيقية ، أي إيران . النتيجة تمثلت في مليون من القتلى بفعل الأسلحة الغربية ، ثم بين ليلة وضحاها تحول هذا الصدام حسين نفسه إلى خطر ، لأنه طور قدراته العسكرية ولأنه أطلق بعض الصواريخ كي تقصف إسرائيل .
- سؤال : ما هي عواقب هذه ” الفوبيوقراطية ” ؟ ..
– لقد فقدت الولايات المتحدة وأوربا أيضا معها سيادتها على كل ما له علاقة بالحق والقانون ؛ فاليوم تفرض الولايات المتحدة معاييرها الخاصة وقواعدها وحضورها واستخباراتها ، إنها تفرض قواعدها حتى على أوربا وتستخدم المطارات الأوربية ( يشير الأستاذ المنجرة إلى طائرات C.I.A التي نقلت إرهابيين مزعومين وهبطت في مطارات أوربية ) ، ومن ثمة يمكننا أن نتخيل ما يمكن أن تفعله بلدان العالم الثالث . لقد كنت من بين الأوائل الذين أشادوا بما يسمى مجتمع المعلومة ، غير أن مجتمع المعرفة هذا تحول فجأة إلى مجتمع الاستخبارات والاستعلامات ، في حين أن كان بالإمكان أن توجه الدولارات التي خصصت للاستخبارات نحو التنمية والصحة والتعليم بدل أن تستخدم ، كما هو واقع ، لممارسة كل أشكال التجسس والتحكم في المعلومة وممارسة التعتيم .
- سؤال : أنتم تعتقدون إذن أن الأمم المتحدة لم تعد تشكل اليوم أداة لمواجهة هذه الانحرافات . . .
– ليس من المقبول أن لا يدين السيد بان كيمون ( السكرتير العام الجديد للأمم المتحدة ) عقوبة الإعدام ويبرر بذلك إعدام صدام حسين بشكل ضمني . لقد غادرت نظام الأمم المتحدة سنة 1981 لأن مسار الرياح تحول وبدأت إذ ذاك عملية الهيمنة الأمريكية على المنظمة . ولقد حل السيد بيريز ديكويلار بالأمم المتحة ( 1982 – 19991 ) فأدخلها في حالة احتضار ، ثم السيد بطرس غالي ( 1992 – 1996 ) الذي أطلق عليها رصاصة الرحمة ، وبعدهما جاء كوفي عنان الذي دفنها . السيد بان كيمون يواري الآن ثابوت الأمم المتحدة التراب ، ولذلك فلا توجد اليوم أية أداة ، في نظري ، تضع المعايير وتفرض احترامها ، إن كل قيم التعاون الدولية هي اليوم في الحضيض .
- سؤال : هل الوضعية الحالية بالعراق هي في نظركم ثمرة ما أسميته منذ سنة 1991 ” الحرب الحضارية ” ؟ ..
– لقد صرح جورج بوش ذات يوم قائلا : إننا لا يمكن أن نسمح أبدا لأي بلد أو قوة ما أن تمس نظامنا القيمي ونمط عيشنا ” . ومن جهته ، فإن العراق كان أحد البلدان العربية الإسلامية التي قضت على الأمية وشيدت تعليما جامعيا ممتازا ، إنه أحد البلدان التي يعود تاريخها إلى أكثر من 3000 سنة ، وقد كان أيضا البلد الذي عرف الإبداع ومارسه عن طريق التشكيليين والشعراء ورجال المسرح ، وهو ما كان متناقضا مع نظامه السلطوي . لقد استثمر العراق أيضا في البحث العلمي والتنمية أكثر مما فعلته البلدان العربية الأخرى في مجموعها . غير أن القدرات التكنولوجية التي تم تطويرها وتطويعها بهذا الشكل شكلت خطرا على إسرائيل ، في حين أنه ليس من المسموح به المساس بقدرات إسرائيل التي تعتبر أن من حقها وحدها امتلاك صواريخ برؤوس نووية . ومن ثمة ، فما إن يخاطر بلد عربي أو إسلامي ما بتطوير الشأن النووي ، حتى ولو كان مدنيا ، فإن ردود الأفعال لا تتأخر عن الصدور .وبالمقابل فقد طلب الاتحاد الأوربي من البلدان الأوربية في الأسبوع الأخير إيلاء الاهتمام للطاقة النووية .
- سؤال : ما هو الخطر الذي كان يشكله العراق على الغرب من زاوية نظر ” حضارية ” ؟ ..
– لقد كان تطوره يهيئه ويعده لديمقراطية حقيقية ، وليست هناك أية قوة غربية مستعدة للتسامح مع نظام ديمقراطي فيبلد مسلم أو عربي أو حتى من العالم الثالث ، هناك بعض الاستثناءات بأمريكا اللاتينية ، لكن بهذه البلدان المستثناة قيما يهودية / مسيحية .
- سؤال : لكن الغرب مع ذلك ، وعلى رأسه الولايات المتحدة ، يدعو إلى الديمقراطية ويعلي من شأنها ، فما هي عواقب هذا التناقض ؟ …
– لقد ماتت مصداقية الغرب كمدافع عن الديمقراطية في العالم الثالث ، وما عدا ألمانيا والفاتيكان ، فإن البلدان الأوربية التي هي ضد عقوبة الإعدام لم تقم بإدانة إعدام صدام حسين . صحيح أن الاتحاد الأوربي قام بذلك ، لكن البلدان الأوربية لم تعلن عن نفس الموقف فرادى ، باستثناء ألمانيا .
- سؤال : ما الذي يشكل المحرك الأساسي هذه ” الحرب الحضارية ” ؟ ..
– إنه عدم فهم الغرب لماهية الإسلام . لقد قلت خلال برنامج تلفزيوني بفرنسا سنة 1981 أن لدى الغرب ثلاثة هواجس : الديمغرافيا ، الإسلام واليابان . في سنة 2006 لم يكن النمو الديمغرافي يخيف أوربا كثيرا ، وقد شكلت اليابان مصدر خوف للصين ، لكن تم التوصل إلى إجراء مفاوضات معها. وظل في الساحة الإسلام وحده ، الإسلام الذي يزداد توسعه وانتشاره يوما عن يوم . ولأن هذا الدين غير مفهوم حتى من بعض المسلمين أنفسهم ، فإنه يثير المخاوف ويولدها ، وقد قام الفاتيكان في سنة 1976 بإحصاء عدد المسلمين ، فتبين له أنهم أكثر عددا من الكاثوليك . إن هناك بالغرب اليوم إرادة لمقارعة الإسلام تحت ذريعة أن هناك تطرفا متضمنا فيه ، وبدل أن يحافظ الغرب على تاريخه وثقافته ، فضل أن يضع نفسه في خدمة الولايات المتحدة كأحد المرتزقة .
- سؤال : لماذا ؟ ..
– لأن الغرب خائف ولأن الولايات المتحدة تحميه ، وهي تلجأ إلى نفس الابتزاز الذي مارسته اتجاه اليابان بقولها له : ” أنا أمنحك المظلة النووية ، وكوريا الشمالية على مقربة منك وتهدد بمهاجمتك ” ، كما أنها تمارس نفس السلوك إزاء أوربا ، غير أنها تقترح عليها مظلة مناهضة الإرهاب .
- سؤال : ما هو الترياق الذي تقترحونه لهذه ” الحرب الحضارية ” ؟ ..
– إنه يتمثل في ما أسميه التواصل الثقافي : أي فهم الآخر . لقد خصصت في سنة 1991 جائزة للتواصل الثقافي فيما بين الشمال والجنوب ، وقد حاولت خلال كل سنة أن أجد في الشمال من قام بأكبر مجهود لجعل الجنوب أقرب إلى أفهام وأذهان الشمال والعكس بالعكس .لكنني قررت تحويل هذه الجائزة وتخصيصها لما هو أكثر استعجالية من غيره : أي أن يتعلم أناس الجنوب كيف يدافعون عن كرامتهم . إن الجائزة تغير اسمها هذه السنة لكي تصير جائزة الدفاع عن الكرامة ، وسيحصل عليها الأشخاص الذين عملوا أكثر من غيرهم على الوقوف في وجه الإهانة والامتهان ، ونحن أناس العالم الثالث والعالم العربي الإسلامي نتحمل النصيب الأكبر من المسؤولية في ما يحــدث لنا .
- سؤال : بمعنى ؟ ..
– إننا رضينا أن نذل ونهان . إنها المرة الأولى في تاريخ الإنسانية التي لا نجد فيها في الساحة إلا قوة واحدة ووحيدة ( الولايات المتحدة ) ، ولهذا السبب فإنني أتحدث عن الإمبريالية الكبرى والأعظم Mega – Imperialisme ؛ فحتى في عصر الفراعنة وعصر الإمبراطوريات الرومانية واليونانية والعثمانية كانت هناك قوى مضادة . إن هذه القوة تفعل اليوم ما يحلو لها وتمرغ أنوف الشعوب في التراب ، والدرجة الأولى من الامتهان والإذلال في العالم الثالث هي إذلال رؤساء دولنا لنا ، فكيف يتصرفون إزاء ذلك ؟ .. وما هو الفعل الذي يحدث عندما نهان ونذل ؟ .. في هذا الحالة يتم إنجاز عملية تحويل ، أي إذلال أولئك الذين يوجدون تحت سلطتك . إذن ، فحكامنا يذلون شعوبـــهم ، وأفظع درجات الإذلال ، أي الإذلال من الدرجة الثالثة ، يحدث عندما تذل هذه الشعوب نفسها بنفسها ، عندما تقبل الإذلال والإهانة . غير أن هنالك حدودا ونقطة قطيعة ؛ فعندما يهاجم جسم ما من طرف علة ما فإن عدد الكريات البيضاء يتزايد ويفترس عدد الكريات الحمراء وتصعد درجة الحرارة عندما يقوم الجسم بردة الفعل . إن هناك نقطة قطيعة ، فللجسم نظام للدفاع الذاتي والأجسام الاجتماعية كذلك ، وحتى الأجسام الأكثر ضعفا ووهنا لديها ردود أفعال دفاعية . وهكذا ، فإن هذه الشعوب لم يعد بإمكانها تحمل الإهانة ، ولم تعد تحتمل أن لا يدين رؤساء دولها إعدام صدام حسين علما أن الذي أذل في ذلك اليوم هو الإسلام بفعل أن إعدامه تم يوم عيد الأضحى . ومع الأسف أن في بلداننا تواطؤا في ما بين حكومات العالم الثالث والقوى التي تحارب شعوبها ، هناك أيضا شريحة صغيرة مما يسمى النخبة التي لا تعرف أي شيء عن الغرب وتوجد في وحالة استلاب ، إنها تجهل ثقافتها الخاصة كما تجهل الثقافة التي تعتقد أن بإمكانها اكتسابها . ومع الأسف أخيرا ، فإن الأحداث تقع على مدى فترات زمنية طويلة ، ولا يفكر السياسيون في الأنظمة الديمقراطية والذين هم في السلطة إلا في الانتخابات المقبلة ، وأنا أطلب منكم أن تعطوني مثالا لبلد واحد في العالم العربي والإسلامي ليس ديكتاتوريا ، و ليس مسيطرا عليه ومحميا من قبل الغرب.