في رحاب العلوم الانسانية  في رحاب العلوم الانسانية
recent

آخر المقالات

recent
random
جاري التحميل ...

مفهوم الدولة

مفهوم الدولة

المحور الأول: مشروعية الدولة و غاياتها - 

     الإشكال : إذا كانت الدولة تمتلك سلطة و تمارسها بشكل مشروع و مقبول، فمن أين  تستمد هذه المشروعية؟ و ما هو الأساس الذي تستند عليه لكي تكون سلطتها مقبولة من طرف الجميع ؟
موقف max weber :
 يميز فيبر- من خلال مجموعة من المقارنات التاريخية -  بين ثلاثة أسس للمشروعية و هي:
المشروعية التقليدية: و ترتكز على قوة الماضي و الأعراف و التقاليد، و على الدمج بين السلطتين الدينية و الدنيوية، فالحاكم الأعلى ينتمي إلى سلالة مقدسة.. و يسود هذا النمط من المشروعية في الأنظمة الوراثية التي تحصر السلطة السياسية في أسرة أو مجموعة محددة.
المشروعية الكاريزمية: و تقوم على الإعجاب و الولاء المطلق لقدسية استثنائية كالنبوة و البطولة.
المشروعية القانونية: و تقوم على أساس عقلاني يفصل بين الأشخاص والمؤسسات، و يفصل بين الانتماءات العرقية و الدينية ، و الانتماءات السياسية. أي أنه ينبني على الإيمان بالعقلانية و الفردانية و يسود في المجتمعات الغربية الحديثة .
موقف J.J.Rousseau :
يعتقد روسو أن مصدر مشروعية السلطة السياسية التي تمارسها الدولة هو العقد الاجتماعي ، لكن هذا العقد لا يقوم على القوة و السلطة المطلقة – كما هو الأمر عند هوبز – بل على المشاركة و التعاون.. إن الفرد حسب روسو لا يتنازل لشخص معين ، بل يتنازل للجماعة، أي الدولة التي تمثل الشعب، و تجسد إرادته... إن السيادة تمثل الشعب و هذا ما يعنيه روسو بالقول " إن من يهب نفسه للجميع ،لا يهب نفسه لأحد"، و هكذا يمكن أن نفهم أن أساس مشروعية الدولة هو العقد الاجتماعي ، و أن غاياتها مرتبطة بتحقيق المصلحة العامة، و الحرية ، و العدالة، والمساواة... ضمن نظام مؤسساتي ديموقراطي.
موقف John Locke  :
تمكن مقاربة تصور جون لوك من التأكيد على فكرة "العقد الاجتماعي " كأساس تقوم عليه مشروعية ممارسة الدولة لسلطتها . و لفهم هذه الفكرة ينبغي الرجوع إلى فرضية حالة الطبيعة كما يطرحها فلاسفة العقد الاجتماعي. و فيما يخص لوك فهو يعتقد أن حالة الطبيعة لم تكن كلها فوضى و عنف ...(عكس طوماس هوبز) ، غير أن وجود ميل لدى الأفراد للاعتداء على الغير حولها إلى صراع و نزاع مستمر... وهكذا كان لا بد من تجاوزها إلى حالة المجتمع و المؤسسات والمدنية...لتظهر الدولة – من خلال عقد اجتماعي بين طرفين و هما : الحاكم والشعب – من أجل السهر على حماية حقوق الأفراد و مصالحهم المدنية والاقتصادية ...و ما دام الملك طرفا في العقد فعليه أن يحترم بنود العقد وإلا وجبت الثورة عليه. و هكذا فمشروعية الدولة تتأسس على العقد الاجتماعي – حسب لوك- أما غايتها فهي حماية حقوق و مصالح و ممتلكات الأفراد.
المحور الثاني: طبيعة السلطة السياسية  - 
 الإشكال : ما طبيعة السلطة السياسية التي ينبغي أن تمارسها الدولة لكي تحافظ على دوامها و استمراريتها؟ و كيف يمكن أن تحافظ على هذه الاستمرارية ؟ و وفق أية شروط؟
موقف machiavel :
تتيح القراءة المتمعنة للقول الوقوف عند البنية المفاهيمية التالية : ( الأمير، التصرف ، الحيوان) ، كما تدل صيغة الخطاب على أن الأمر يتعلق بوصية يقدمها صاحب القول للأمير.. لنحلل إذن هذه البنية المفاهيمية، إن الحديث عن الأمير يقتضي استحضار الحاكم ، السياسي...و بشكل عام الممارس للسلطة. و يعني التصرف ببساطة السلوك و الممارسة، و ما دام الأمر يتعلق بالأمير فإن المقصود هنا السلوك السياسي و ممارسة السلطة، وهكذا يصبح مضمون القول هو وصية تحدد طبيعة السلوك السياسي و شروط ممارسة السلطة ، و التي تتأسس على أن يمارس الحاكم سلطته بطريقة حيوانية، أي بطريقة يغيب فيها البعد الإنساني. ومعنى ذلك أن يتجرد الأمير من قيمه و أخلاقه و مبادئه، فلا يتبقى حينئذ إلا الحيوانية التي تقوم على الاندفاع و الغلبة و القوة...وهكذا ينصح صاحب القول الأمير إذن أن يكون أسدا شرسا وأن يكون ثعلبا مخادعا في نفس الوقت ، أن يكون قويا و ماكرا بارعا. إن مجال السياسة هو مجال الصراع و المنافسة و المؤامرات ، و هذا يتطلب القوة والمكر معا، و يتطلب استعمال كل الوسائل الممكنة سواء أكانت مشروعة أو غير مشروعة ...
موقف Montesquieu :
على العكس من ماكيافيل كان مونتيسكيو يهتم بالتنظير للدولة الديمقراطية والحريات السياسية التي تمكن الفرد من الطمأنينة و الأمن و التحرر. لذلك أكد على أن طبيعة السلطة السياسية ينبغي أن تتأسس على القوانين وليس التخويف و القوة..ففي كل دولة توجد ثلاثة أنواع من السلطة، وهي السلطة التشريعية، والتنفيذية، والقضائية.. و ما يضمن تحقيق القانون و الحريات هو الفصل بين هذه السلط حتى لا تتركز في يد واحدة، فتضيع الحقوق و تخرق القوانين، سواء من خلال صياغة قوانين ظالمة، أو من خلال تدخل سلطة ما في عمل سلطة أخرى، كأن تتدخل الحكومة في عمل القضاء مما يجعله تابعا فاقدا لاستقلاليته عاجزا عن إحقاق الحق. و هكذا فالقوة لا تؤسس لسلطة سياسية دائمة و مستمرة، بل القانون هو الضامن لذلك.
المحور الثالث    – الدولة بين الحق و العنف   -   
    الإشكال :  هل يكفي الحق و القانون لكي تمارس الدولة سلطتها ؟ أم أنها ملزمة بممارسة العنف و القوة؟
موقف jacqueline Russ :
تدافع روس عن قضية أساسية و هي اعتبار أن الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه سلطة الدولة هو القانون و ذلك من خلال فكرة فصل السلط ( السلطة التشريعية ، التنفيذية ، القضائية ) باعتبارها آلية عملية لضمان تحقيق دولة الحق كواقع ملموس مجسد ، و ليس كصورة نظرية تجريدية بعيدة عن الواقع ، كممارسة مادية لا كشعار أو  مسحوق تجميل يغطي الواقع الحقيقي . دولة الحق تتجسد بشكل ناجح و متطور في الممارسة المعقلنة للسلطة ، أي الممارسة التي تتأسس على منهج منظم، و على الكفاءة و الخبرة و التخطيط الجيد. دولة ترفض العنف و التخويف و الإرهاب، فيها حق وضعي مبني على قانون أخلاقي...
موقف ابن خلدون
يندرج موقف ابن خلدون ضمن التصور الأخلاقي للسلطة السياسية، و يؤكد ابن خلدون أن العلاقة بين السلطان والرعية ينبغي أن تكون مبنية على الرفق في التعامل: فقهر السلطان للناس وبطشه بهم يؤدي إلى إفساد أخلاقهم، بحيث يعاملونه بالكذب والمكر والخذلان، أما إذا كان رفيقا بهم، فإنهم يطمئنون إليه ويكنون له كل المحبة والاحترام، ويكونون عونا له أوقات الحروب والمحن.  كما يتوجب عليه التحلي بالاعتدال الذي هو الوسط بين الذكاء بما هو إفراط في الفكر والبلادة بما هي إفراط في الجمود مثلما أن الكرم وسط بين التبذير والبخل، والشجاعة وسط بين التهور والجبن من جهة أخرى. هكذا فإن ابن خلدون يحدد طبيعة السلطة السياسية في التشبث بمكارم الأخلاق المتمثلة أساسا في الرفق والاعتدال
موقف max weber   :
أسس ماكس فيبر تصورا مختلفا تماما عن تصور جاكلين روس ، مؤداه أن الدولة ينبغي أن تؤسس سلطتها على القوة ، أو ما يسميه " العنف الفيزيائي المشروع" ، لأن الدولة لا تستطيع في تقديره أن تقوم بوظيفتها إلا إذا احتكرت الحق في ممارسة القوة و العنف. و يستشهد فيبر بتروتسكي من خلال قولته الشهيرة " كل دولة تنبني على القوة" . صحيح أن الدولة تستعمل مجموعة من الوسائل للقيام بوظائفها وتدبير شؤون أفرادها ، إلا أن الوسيلة الوحيدة التي تميزها عن غيرها هي استعمالها للقوة و العنف.. فالعلاقة بين الدولة و العنف هي علاقة وطيدة و حميمية في نظر فيبر. لذلك فهي لا تسمح لغيرها بممارسة القوة و العنف نيابة عنها، لأن مصلحتها تقتضي احتكار العنف لنفسها من أجل نجاحها و استمراريتها.

عن الكاتب

في رحاب العلوم الانسانية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

في رحاب العلوم الانسانية